الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أبجد العلوم **
وفيه: ترشيحات وأصناف المدوناتاعلم أن كتب العلم كثيرة، لاختلاف أغراض المصنفين في الوضع، والتأليف، ولكن تنحصر من جهة المعنى في قسمين: الأول: إما أخبار مرسلة، وهي كتب التواريخ، وإما أوصاف، وأمثال ونحوها، قيدها النظم، وهي دواوين الشعر. والثاني: قواعد علوم، وهي تنحصر من جهة المقدار، في ثلاثة أصناف: الأول: مختصرات تجعل تذكرة لرؤوس المسائل، ينتفع بها المنتهي، للاستحضار، وربما أفادت بعض المبتدئين الأذكياء، لسرعة هجومهم على المعاني، من العبارات الدقيقة. والثاني: مبسوطات، تقابل المختصرات، وهذه ينتفع بها للمطالعة. والثالث: متوسطات وهذه نفعها عام. ثم إن التأليف على سبعة أقسام: لا يؤلف عالم عاقل إلا فيها، وهي إما شيء لم يسبق إليه فيخترعه، أو شيء ناقص يتممه، أو شيء مغلق يشرحه، أو شيء طويل يختصره، دون أن يخل بشيء من معانيه، أو شيء متفرق يجمعه، أو شيء مختلط يرتبه، أو شيء أخطأ فيه مصنفه فيصلحه. وينبغي لكل مؤلف كتاب في فن قد سبق إليه أن لا يخلو كتابه من خمس فوائد: استنباط شيء كان معضلا، أو جمعه إن كان مفرقا، أو شرحه إن كان غامضا، أو حسن نظم وتأليف، أو إسقاط حشو وتطويل. وشرط في التأليف: إتمام الغرض الذي وضع الكتاب لأجله، من غير زيادة ولا نقص، وهجر اللفظ الغريب، وأنواع المجاز، اللهم إلا في الرمز؛ والاحتراز عن إدخال علم في علم آخر، وعن الاحتجاج بما يتوقف بيانه على المحتج به عليه، لئلا يلزم الدور. وزاد المتأخرون اشتراط: حسن الترتيب، ووجازة اللفظ، ووضوح الدلالة، وينبغي آن يكون مسوقا على حسب إدراك أهل الزمان، وبمقتضى ما تدعوهم إليه الحاجة، فمتى كانت الخواطر ثاقبة، والإفهام للمراد من الكتب متناولة، قام الاختصار لها مقام الإكثار، وأغنت بالتلويح عن التصريح، وإلا فلا بد من كشف، وبيان، وإيضاح، وبرهان ينبه الذاهل، ويوقظ الغافل. وقد جرت عادة المصنفين بأن يذكروا في صدر كل كتاب تراجم، لتعرب عنه، سموها الرؤوس، وهي ثمانية: الغرض، وهو الغاية السابقة في الوهم، المتأخرة في الفعل، والمنفعة، ليتشوق الطبع.والعنوان الدال بالإجمال على ما يأتي تفصيله، وهو قد يكون بالتسمية، وقد يكون بألفاظ وعبارات، تسمى براعة الاستهلال؛ والواضع ليعلم قدره، ونوع العلم، وهو الموضوع ليعلم مرتبته؛ وقد يكون الكتاب مشتملا على نوع من العلوم، وقد يكون جزءا من أجزائه، وقد يكون مدخلا - كما سبق في بحث الموضوع - ومرتبة ذلك الكتاب، أي متى يجب أن يقرأ، وترتيبه، ونحو التعليم المستعمل فيه، وهو بيان الطريق المسلوك في تحصيل الغاية. وأنحاء التعليم: خمسة الأول: التقسيم، والقسمة المستعملة في العلوم، قسمة العام إلى الخاص، وقسمة الكل إلى الجزء، أو الكلي إلى الجزئيات، وقسمة الجنس إلى الأنواع، وقسمة النوع إلى الأشخاص، وهذه قسمة ذاتي إلى ذاتي؛ وقد يقسم الكلي إلى الذاتي، والعرضي والذاتي إلى العرضي، والعرضي إلى الذاتي، والعرضي إلى العرضي؛ والتقسيم الحاصر هو المردد بين النفي والإثبات. والثاني: التركيب، وهو جعل القضايا مقدمات تؤدي إلى المعلوم. والثالث: والتحليل، وهو إعادة تلك المقدمات. والرابع: التحديد، وهو ذكر الأشياء بحدودها الدالة على حقائقها، دلالة تفصيلية. والخامس: البرهان، وهو قياس صحيح عن مقدمات صادقة، وإنما يمكن استعماله في العلوم الحقيقية، وأما ما عداها فيكتفي بالإقناع. اعلم أن كل من وضع كتابا، إنما وضعه ليفهم بذاته، من غير شرح، وإنما احتيج إلى الشرح، لأمور ثلاثة: الأمر الأول: كمال مهارة المصنف، فإنه لجودة ذهنه، وحسن عبارته، يتكلم على معان دقيقة، بكلام وجيز، كاف في الدلالة على المطلوب، وغيره ليس في مرتبته، فربما عسر عليه فهم بعضها، أو تعذر فيحتاج إلى زيادة بسط في العبارة، لتظهر تلك المعاني الخفية، ومن ههنا شرح بعض العلماء تصنيفه. الأمر الثاني: حذف بعض مقدمات الأقيسة، اعتماداً على وضوحها، أو لأنها من علم آخر، أو أهمل ترتيب بعض الأقيسة، فأغفل علل بعض القضايا، فيحتاج الشارح إلى أن يذكر المقدمات المهملة، ويبين ما يمكن بيانه في ذلك العلم، ويرشد إلى أماكن فيما لا يليق بذلك الموضع من المقدمات، ويرتب القياسات، ويعطي علل ما لم يعط المصنف. الأمر الثالث: احتمال اللفظ لمعان تأويلية، أو لطافة المعنى عن أن يعبر عنه بلفظ يوضحه، أو للألفاظ المجازية، واستعمال الدلالة الالتزامية، فيحتاج الشارح إلى بيان غرض المصنف، وترجيحه؛ وقد يقع في بعض التصانيف مالا يخلو البشر عنه، من السهو، والغلط، والحذف لبعض المهمات، وتكرار الشيء بعينه بغير ضرورة، إلى غير ذلك، فيحتاج أن ينبه عليه. ثم إن أساليب الشرح على ثلاثة أقسام: الأول: الشرح ب(قال أقول) ك (شرح المقاصد) و (شرح الطوالع) للأصفهاني و(شرح العضد) وأما المتن، فقد يكتب في بعض النسخ بتمامه، وقد لا يكتب، لكونه مندرجا في الشرح بلا امتياز. الثاني: الشرح، بقوله ك (شرح البخاري) لابن حجر، والكرماني، ونحوهما، وفي أمثاله لا يلتزم المتن، وإنما المقصود ذكر المواضع المشروحة، ومع ذلك قد يكتب بعض النساخ متنه تماماً إما في الهامش، وإما في المسطر، فلا ينكر نفعه. والثالث: الشرح مزجا، ويقال له: (شرح ممزوج) تمزج فيه عبارة المتن والشرح، ثم تمتاز إما بالميم والشين، وإما بخط يخط فوق المتن، وهو طريقة أكثر الشراح المتأخرين من المحققين، وغيرهمK لكنه ليس بمأمون عن الخلط والغلط. ثم إن من آداب الشارح وشرطه: أن يبذل النصرة فيما قد التزم شرحه، بقدر الاستطاعة، ويذب عما قد تكفل إيضاحه بما يذب به صاحب تلك الصناعة، ليكون شارحا، غير ناقض، وجارح، ومفسراً غير معترض، اللهم إلا إذا عثر على شيء لا يمكن حمله على وجه صحيح، فحينئذ ينبغي أن ينبه عليه بتعريض، أو تصريح، متمسكا بذيل العدل، والإنصاف، متجنباً عن الغي والاعتساف؛ لأن الإنسان محل النسيان، والقلم ليس بمعصوم من الطغيان، فكيف بمن جمع المطالب من محالها المتفرقة. وليس كل كتاب ينقل المصنف عنه سالماً من العيب، محفوظا له عن ظهر الغيب، حتى يلام في خطئه، فينبغي أن يتأدب عن تصريح الطعن للسلف مطلقا، ويكني بمثل: (قيل، وظن، ووهم، وأعترض، وأجيب، وبعض الشراح، والمحشي، أو بعض الشروح، والحواشي) ونحو ذلك، من غير تعيين. كما هو دأب الفضلاء من المتأخرين، فإنهم تأنقوا في أسلوب التحرير، وتأدبوا في الرد، والاعتراض على المتقدمين، بأمثال ما ذكر تنزيهاً لهم عما يفسد اعتقاد المبتدئين فيهم، وتعظيما لحقهم، وربما حملوا هفواتهم على الغلط من الناسخين، لا من الراسخين. وإن لم يمكن ذلك قالوا: لأنهم لفرط اهتمامهم بالمباحثة، والإفادة، لم يفرغوا لتكرير النظر، والإعادة؛ وأجابوا عن لمز بعضهم، بأن ألفاظ (كذا وكذا) ألفاظ فلان بعبارته، بقولهم: إنّا لا نعرف كتاباً ليس فيه ذلك، فإن تصانيف المتأخرين، بل المتقدمين (1/ 193)لا تخلو عن مثل ذلك، لا لعدم الاقتدار على التغيير، بل حذرا عن تضييع الزمان فيه، وعن مثالبهم بأنهم عزوا إلى أنفسهم ما ليس لهم، بأنه إن أتفق، فهو من توارد الخواطر، كما في تعاقب الحوافر على الحوافر. اعلم أن المؤلفين المعتبرة تصانيفهم، فريقان: الأول: من له في العلم ملكة تامة، ودربة كافية، وتجارب وثيقة، وحدس صائب، وفهم ثاقب، فتصانيفهم عن قوة تبصرة، ونفاذ فكر، وسداد رأي، ك (النصير، والعضد، والسيد، والسعد، والجلال، وأمثالهم) فإن كلا منهم يجمع إلى تحرير المعاني، تهذيب الألفاظ، وهؤلاء أحسنوا إلى الناس، كما أحسن الله سبحانه وتعالى إليهم، وهذه لا يستغني عنها أحد. والثاني: من له ذهن ثاقب وعبارة طلقة طالع الكتب فاستخرج دررها وأحسن نظمها، وهذه ينتفع به المبتدئون والمتوسطون. ومنهم (1/ 194) من جمع وصنف للاستفادة لا للإفادة فلا حجر عليه بل يرغب إليه إذا تأهل، فإن العلماء قالوا: ينبغي للطالب أن يشتغل بالتخرج والتصنيف فيما فهمه منه إذا احتاج الناس إليه بتوضيح عبارته، غير مائل عن المصطلح، مبينا مشكله، مظهراً، ملتبسه كي يكسبه جميل الذكر وتخليده إلى آخر الدهر. فينبغي أن يفرغ قلبه لأجله إذا شرع، ويصرف إليه كل شغله قبل أن يمنعه مانع عن نيل ذلك الشرف. ثم إذا تم لا يخرج ما صنفه إلى الناس ولا يدعه عن يده إلا بعد تهذيبه وتنقيحه وتحريره وإعادة مطالعته فإنه قد قيل: الإنسان في فسحة من عقله وفي سلامة من أفواه جنسه ما لم يضع كتابا أو لم يقل شعرا. وقد قيل: من صنف كتابا فقد استشرف للمدح والذم، فإن أحسن فقد استهدف من الغيبة والحسد، وإن أساء فقد تعرض للشتم والقذف. قالت الحكماء: من أراد أن يصنف كتابا أو يقول شعرا فلا يدعوه العجب به وبنفسه إلى أن ينتحله، ولكن يعرضه على أهله في عرض رسائل أو أشعار، فإن رأى الأسماع تصغي إليه ورأى من يطلبه انتحله وادعاه وإلا فليأخذ في غير تلك الصناعة. قف: ومن الناس من ينكر التصنيف في هذا الزمان مطلقا، ولا وجه لإنكاره من أهله، وإنما يحمله عليه التنافس والحسد الجاري بين أهل الأعصار، ولله در القائل في نظمه: قل لمن لا يرى المعاصر شيئا ** ويرى للأوائل التقديما إن ذاك القديم كان حديثا ** وسيبقى هذا الحديث قديما واعلم أن نتائج الأفكار لا تقف عند حد، وتصرفات (1/ 195) الأنظار لا تنتهي إلى غاية، بل لكل عالم ومتعلم منها حظ يحرزه في وقته المقدر له، وليس لأحد أن يزاحمه فيه، لأن العالم المعنوي واسع كالبحر الزاخر، والفيض الإلهي ليس له انقطاع ولا آخر، والعلوم منح إلهية ومواهب صمدانية، فغير مستبعد أن يدخر لبعض المتأخرين ما لم يدخر لكثير من المتقدمين. فلا تغتر بقول القائل: ((ما ترك الأول للآخر)) بل القول الصحيح الظاهر: ((كم ترك الأول للآخر)) فإنما يستجاد الشيء ويسترذل لجودته ورداءته في ذاته لا لقدمه وحدوثه. ويقال: ليس كلمة أضر بالعلم من قولهم ما ترك الأول شيئا، لأنه يقطع الآمال عن العلم، ويحمل على التقاعد عن التعلم، فيقتصر الآخر على ما قدم الأول من الظاهر، وهو خطر عظيم وقول سقيم، فالأوائل وإن فازوا باستخراج الأصول وتمهيدها فالأواخر فازوا بتفريع الأصول وتشييدها كما قال صلى الله عليه وسلم: ((أمتي أمة مباركة لا يدري أو لها خيرا وآخرها)) وقال ابن عبد ربه في (العقد) ((إني رأيت آخر كل طبقة واضعي كل حكمة، ومؤلفي كل أدب أهذب لفظا وأسهل لغة وأحكم مذاهب وأوضح طريقة من الأول لأنه ناقض متعقب والأول باد متقدم)) انتهى. وروي أن خواجه زاده كان يقول: ((ما نظرت في كتاب أحد بعد تصانيف السيد الشريف الجرجاني بنية الاستفادة)) وذكر صاحب (الشقائق) في ترجمة (1/ 196) شمس الدين الفناري: ((أن الطلبة إلى زمانه كانوا يعطلون يوم الجمعة يوم الثلاثاء فأضاف إليهما يوم الاثنين للاشتغال بكتابة تصانيف العلامة التفتازاني - رحمه الله - وتحصيلها)) انتهى. اعلم أن المقدمة - بكسر الدال المشددة وفتحها - تطلق على معان: منها ما يتوقف عليه الشيء، وسواء كان التوقف عقليا أو عاديا أو جعليا، وهي في عرف اللغة صارت اسما لطائفة متقدمة من الجيش، وهي في الأصل صفة من التقديم بمعنى التقدم. ولا يبعد أن يكون من التقديم المتعدي لأنها تقدم أنفسها بشجاعتها على أعدائها في الظفر. ثم نقلت إلى ما يتوقف عليه الشيء، وهذا المعنى يعم جميع المعاني الآتية. ومنها ما يتوقف عليه الفعل، يؤيد ذلك ما قال السيد السند في (حاشية العضدي) في مسائل الوجوب في بحث الحكم ((المقدمة عند الأصوليين على ثلاثة أقسام: ما يتوقف عليه الفعل عقلا كترك الأضداد في فعل الواجب وفعل الضد في الحرام، وتسمى مقدمة عقلية وشرطا عقليا. وما يتوقف عليه الفعل عادة كغسل جزء من الرأس لغسل الوجه كله، وتسمى مقدمة عادية وشرطا عاديا. وما لا يتوقف عليه الفعل بأحد الوجهين، لكن الشارع يجعل الفعل موقوفا عليه وصيره شرطا له كالطهارة للصلاة وتسمى مقدمة شرعية وشرطا شرعيا)) انتهى. (1/ 197) ومنها ما يتوقف عليه صحة الدليل بلا واسطة كما هو المتبادر، فلا ترد الموضوعات والمحمولات. وأما المقدمات البعيدة للدليل فإنما هي مقدمات لدليل مقدمة الدليل. ومنها قضية جعلت جزء قياس أو حجة، وهذان المعنيان مختصان بأرباب المنطق ومستعملان في مباحث القياس، صرح بذلك المولوي عبد الحكيم في (حاشية شرح الشمسية) وهي على قسمين: قطعية تستعمل في الأدلة القطعية، وهي سبع: الأوليات، والفطريات، والمشاهدات، والمجربات، والمتواترات، والحدسيات، والوهميات في المحسوسات، وظنية تستعمل في الإمارة وهي أربع: المسلمات، والمشهورات، والمقبولات، والمقرونة، بالقرائن كنزول المطر بوجود السحاب الرطب، كذا يستفاد من (شرح المواقف) والمراد بالقياس ما يتناول الاستقراء والتمثيل أيضا، وإردافه بلفظ أو حجة لدفع توهم اختصاص القياس بما يقابلهما. وقيل: أو للتنبيه على اختلاف الاصطلاح فقيل إنها مختصة بالحجة، وقيل: يشمل ما جعلت جزءهما. وهذا المعنى مبائن للمعنى السابق. وقيل: أخص من الأول كما يستفاد من بعض حواشي (شرح المطالع). ومنها ما يتوقف عليه الباحث الآتية، فإن كانت تلك المباحث الآتية العلم برمته تسمى مقدمة العلم، وإن كانت بقية الباب أو الفصل تسمى مقدمة الباب أو الفصل. وبالجملة تضاف إلى الشيء الموصوف كما في (الأطول). وقد اشتهر بينهم أن مقدمة العلم ما يتوقف، عليه الشروع في ذلك العلم، والشروع في العلم لا يتوقف على ما هو جزء منه وإلا لدار بل على (1/ 198) ما يكون خارجا عنه. ثم الضروري في الشروع الذي هو فعل اختياري توقفه على تصور العام بوجه ما، وعلى التصديق بفائدة تترتب عليه سواء كان جازما أو غير جازم مطابقا أو لا، لكن يذكر من جملة مقدمة العلم أمور لا يتوقف الشروع عليها، كرسم العلم وبيان موضوعه والتصديق بالفائدة المرتبة المعتد بها بالنسبة إلى المشقة التي لا بد منها في تحصيل العلم وبيان مرتبته وشرفه ووجه تسميته باسمه إلى غير ذلك. فقد أشكل ذلك على بعض المتأخرين واستصعبوه، فمنهم من غير تعريف المقدمة إلى ما يتوقف عليه الشروع مطلقا، أو على وجه البصيرة، أو على وجه زيادة البصيرة، ومنهم من قال: الأولى أن يفسر مقدمة العلم بما يستعان به في الشروع وهو راجع إلى ما سبق لأن الاستعانة في الشروع إنما تكون على أحد الوجوه المذكورة، ومنهم من قال: لا يذكر في مقدمة العلم ما يتوقف عليه الشروع، وإنما يذكر في مقدمة الكتاب، وفرق بينهما بأن مقدمة العلم ما يتوقف عليه مسائله، ومقدمة الكتاب طائفة من الألفاظ قدمت أمام المقصود لدلالتها على ما ينفع في تحصيل المقصود سواء كان مما يتوقف المقصود عليه فيكون مقدمة العلم أو لا، فيكون من معاني مقدمة الكتاب من غير أن يكون مقدمة العلم. وأيد ذلك القول بأنه يغنيك معرفة مقدمة الكتاب عن مظنة أن قولهم: المقدمة في بيان حد العلم، والغرض منه وموضوعه من قبيل جعل الشيء ظرفا لنفسه وعن تكلفات في دفعه. فالنسبة بين المقدمتين هي المباينة الكلية، والنسبة بين ألفاظ مقدمة العلم ونفس مقدمة الكتاب عموم من وجه، لأنه اعتبر في مقدمة الكتاب التقدم ولم يعتبر التوقف، واعتبر في مقدمة العلم التوقف ولم يعتبر التقدم، وكذا بين مقدمة العلم ومعاني مقدمة الكتاب عموم (1/ 199) من وجه. وقال صاحب (الأطول): ((والحق أنه لا حاجة إلى التغيير، فإن كلا مما يذكر في المقدمة مما يتوقف عليه شروع في العلم هو إما أصل الشروع في العلم، أو شروع على وجه البصيرة، أو شروع على وجه زيادة البصيرة. فيصدق على الكل ما يتوقف عليه شروع، ولحمل الشروع على ما هو في معنى المنكر مساغ أيضا كما في: ادخل السوق)) انتهى. وههنا أبحاث تركناها مخافة الإطناب، فمن أراد الاطلاع عليها فعليه بالرجوع إلى شروح (التلخيص). قال الشيخ رفيع الدين الدهلوي في رسالته في هذا الباب: ((المقدمة تطلق على أمور جزء من أجزاء الكتاب عنون بهذا اللفظ، وجزء كذلك يعنون مثله به، وإن لم يعنون بذلك اللفظ، وما يستحق أن يقدم سواء قدم وعنون بها أو لا. وهذا يسمى بمقدمة العلم والأول بل الأولان بمقدمة الكتاب فيفسر، مقدمة الكتاب بما يفسر به الكتاب من الألفاظ والمعاني والنقوش، وإن كان الثالث مجازيا في مثل: ((اشتريت الكتاب)). و ((هذا كتاب فلان)) ولا يلتفت إليه في مثل: ((صنفت الكتاب)) و ((قرأته)) و((هذا كتاب جيد متين)) و ((متن وشرح (1/ 200) وحاشية)) وتفسر مقدمة العلم بما يفسر به العلم من الإدراك والمدركات، فيتحقق بينهما نسب مختلفة كالمتباين صدقا، أو الكلية والجزئية، أو العموم والخصوص المطلق. كما إذا اشتمل مقدمة الكتاب على غير مقدمة العلم، أيضا والعموم من وجه إذا لم يقدم مقدمة العلم وقدم شيء من غيرها. هذا هو الكلام على العرف المشهور، والذي يقتضيه النظر الصحيح أن يسمى بمقدمة الكتاب ماله دخل في خصوص الكتاب، وبمقدمة العلم ماله دخل في العلم مطلقا. ويجتمعان إذا لم يكن مدخل في خصوص الكتاب إلا لما له دخل في العلم. وتحقيقهما باعتبار هذا النظر أن يقال: قد تبين في العلم الأعلى أن العلم التام بالأشياء ذوات الأسباب إنما يحصل بمعرفة عللها التامة، وهي مجموع العلة الفاعلية، والغائية، والمادية، والصورية، وسائر ما يتوقف عليه حصول الشيء من الشروط والآلات والمعدات القريبة ونحو ذلك فيما يوجد فيه جميعها، وبعضها فيما يوجد فيه. بعضها فنقول: إن المتقدمين لما أفرزوا من نتائج أفكارهم الأحكام المتعلقة لشيء واحد وحدة ما من جهة واحدة علوما متفرزة وشحنوا بها كتبهم وأرادوا بقاءها على مر الأعصار وعلموها تلامذتهم قرنا بعد قرن حتى وصلت إلينا، فاستحسنوا تقديم بعض مبادئها عليها ليكون تسهيلا لطالبيها وتبصرة لشارعيها. وقد علمت وجه الضبط فاعلم أن ههنا أمرين، أحدهما: العلم بما هو هو، وذلك عبارة عن مسائل مخصوصة ومطالب معينة. وثانيهما: الكتاب وهو عبارة عن ألفاظ مقررة ومعان مرتبة. وربما كان كتاب واحد في علوم متعددة، أو كتب متعددة في علم واحد، ورب علم لم يدون (1/ 201) في كتاب، أو كتاب لم يشتمل على علم بل على مسائل متفرقة وأحاديث ملهية من نظم أو نثر. وأيضا هما يختلفان في أمور كثيرة: كالمنفعة، والمضرة، والجودة، والرداءة، والضعف، والقوة، وغيرها. ونسبة الكتاب بمعانيه إلى العلم كنسبة العلم إلى الواقع بالمطابقة واللامطابقة، فلكل منهما مبادئ متغايرة. فالأحق أن يجعل لكل منهما مقدمة مغايرة لمقدمة الآخر، ويجعل مقدمة العلم من مقاصد الكتاب. ولكن من الناس من يجمعهما، ومنهم من يكتفي بأحدهما، ومنهم، من يذكر مقدمة الكتاب في الديباجة، ومقدمة العلم في جزء من الكتاب يصدر بالمقدمة ويذكر في كل ما يهمه ويتفق له.. ولكن مقدمة العلم ومقدمة الكتاب، في الأغلب داخلتان في الكتاب، وذلك لعدم إفرازهما بعناية النظر. ونحن نذكر مبادئ كليهما مع نوع ضبط فنقول: من المبادئ الفاعل، أما فاعل العلم حقيقة فأول من أخرجه من القوة إلى الفعل ودونه وفصله كأرسطاطاليس لحكمة المشائين والمنطق، وينوب منابه المهرة الذين هم أهل استنباط وتحقيق لقواعده. وأما فاعل الكتاب حقيقة فمصنفه وينوب منابه من عليه الاعتماد في روايته وتوجيهه وإصلاحه. ومنها الغاية وهي بيان الحاجة الماسة إلى تدوينه وتصنيفه. أما العلوم فلها غاية عامة هي تكمل النفس في القوة العلمية بمعرفتها، وغاية خاصة تذكر في كل فن فن. وأما الكتب فلها أيضا غاية عامة وهي تسكين وهج القلب بإيراد ما يختلج فيه وإرادة الترويح والإبقاء كما قيل: كل علم ليس في القرطاس ضاع * (1/ 202) وغاية خاصة من توضيح مجمل، أو تلخيص مطول، أو تعميم انتفاع، أو كتم عن رعاع، أو إبانة حق، أو إزالة شك، أو إرضاء عظيم، أو تبكيت لئيم إلى غير ذلك. ثم إن الغاية في الأفعال الاختيارية تتم بأمرين: معرفة المطلوب حذرا من طلب المجهول المطلق. ومعرفة فائدته فرارا عن العبث. فوضعوا للأول معرفة الاسم ووجه التسمية للكتاب والرسم أيضا للعلم. والثاني: بيان الفائدة والمضرة ترغيبا في تحصيله ومعالجة عن إفساده، ومنها المادة والصورة، وعلمهما بالحقيقة إنما يكون بعد إتمام تحصيل العلم والكتاب، لأن الصورة جزء آخر للمعلول، والمادة مقارنة لها، بل حصولهما هو عين حصول المعلول وذلك مناف لغرض المقدمة. فأقاموا مقامها شيئين آخرين: أما مقام المادة فللعلم بيان موضوعه الذي تنتهي إليه موضوعات مسائله كأنها شعب وتفصيلات ولواحق عارضة له، وبيان حيثية البحث الذي تنتهي إليه محمولات المسائل كذلك. والكتاب بيان لغة ألفاظه أنها عربية أو فارسية وهي كثيرا ما تكون قليلة الجدوى. وبيان العلم الذي هو فيه فإن التحرير والتقرير إنما يقع فيه على صور شتى ووجوه مختلفة. وأما مقام الصورة فللعلم بيان أبوابه والإشارة إلى كليات أصوله وفروعه، وللكتاب بيان ترتيبه وتفصيل أجزائه من المقالات والأبواب والفصول وغيرها وفهرستها. ومنها الشروط، فبعضها عامة لكل علم في المعلم والمتعلم وزمان (1/ 203) التعليم والتصنيف. وقد حرر فيه رسائل تسمى آداب المتعلمين وآداب المصنفين. وبعضها خاصة، فلكل طائفة من العلوم معلومات ما لم تعلم لم يعلم ولم يصح الجزم به مالم تستعمل وتسمى بالحدود. والعلوم المتعارفة والمصادرات والأصول الموضوعة. ولبعض الكتب رموز واصطلاحات ما لم تعلم أشكل فهم الكتاب. ومنها الآلات، فإن الفاعل القريب لاكتساب العلوم هي الأفكار ولها طرق ووجوه يسهل التحصيل بها يسمى الأنحاء التعليمية وهي: التقسيم والتحليل والتحديد والبرهان. وللكتب شروح وحواش يسهل فهمها بأعمالها، ومنها المعدات القريبة فيبين مرتبة العلم لتأخر عما يجب وتقدم على ما يجب وكذلك مرتبة الكتاب، وبيان الكتب التي منها مأخذ الكتاب، والعلوم التي يحصل منها استعداد العلم المطلوب. فهذا وجه لضبطها. وسائر المصنفين يكتفون ببعضها لما مر، ولأن منها ما يكفي مؤنة غيرها، ولكن توسعة للأمر قد يحث على استيفائها والعلم عند الله تعالى)) انتهى كلامه - رحمه الله -. قال الشيخ العلامة رفيع الدين الدهلوي في (التكميل): ((غلب في تحصيل المجهولات التعلم على التفكر، ولم يكن له قانون فدون والدي العارف الواصل والنحرير الكامل الشيخ ولي الله ابن الشيخ عبد الرحيم العمري لمزاولة الكتب تعليما ضوابط، فأضفت إليه ما وفقني الله سبحانه وهي هذه: (1/ 204) فتح فن التحصيل موضوعه العلوم المدونة من حيث تستفاد وتفاد. وغايته الخوض فيها على بصيرة، والنجاة عن سوء الفهم لقاصدها، وتمييز لبابها عن ذبابها، وكسب الاقتدار والمهارة فيها، وتفريق كامل الكتاب والمعلم من نقاصهما، فليرسم بأحدهما وتكمل الناس في العلوم بدونه لا ينفي فائدته كمجتهدي الأمة وأساطين الحكمة ومدققي الهنود والإفرنج من المنطق ونظره في خمسة، فإن التعلم بالتقرير ممن ينكر عليه مناظرة، وممن يذعن له تدريس وتتلمذ وبالتحرير تصنيف ومطالعة. بسط المناظرة: توجه الخصمين في مطلب لإظهار الحق، والتعرض للبيان أو المبين الحجة أو المعرف فمن الأول: 1- حل المصطلح والمغلق. 2- تعيين المحذوف والمرجع والمحتمل لاشتراك وتجوز وتخصيص وتقييد. 3- دفع الإخلال لتعقيد وتبادر خلاف. 4- دفع الاستدراك. 5- سبب العدول عن ظاهر ومشهور. 6- تنبيه عن الإضرار بزيادة وتركها. 7- وعلى تعارض الكلامين صريحا أو التزاما. 8- وعلى تداخل الشقوق والأقسام (1/ 205). 9- طلب حكم مسكوت عنه منها. 10- خلو المدعى عن الفائدة. 11- استثبات الدعاوي خفية. 12- وظاهراً. ويجاب بالبيان. 1و 2 - إفهام القرينة. 3- وفائدة اللفظ. 4- والترجيح. 5- ودفع المضر. 6- والتوفيق. 7- والتمييز ولو في الجملة أو بالحقائق دون المصداق. 8- والدرج. 9- ووجه النفع. 10- والاطلاع. 11و 12- أو يصلح في الكل ثم الاستدلال أو النقل من الثاني (1/ 206): 1- تحقيق المذهب. 2- تصحيح النقل. 3- عدم الاعتداد به. 4- تغيير معناه. 5- منع المقدمات كلا أو بعضا، كالصغرى والكبرى، والملازمة والتنافي، والوضع والرفع. 6- السند إن ادعى البديهة فالمساوي يفيدهما نفيا وإثباتا، والأخص المعترض إثباتا، والأعم المستدل نفيا. 7- فساد التأليف لفقد شرطه وعدم تكرر وسط، ونفي حصر ويرددان على الشقين كثيرا. 8- مناسبة الأوسط لضد الأكبر والمقدم لضد التالي. 9- النقض بالتخلف عن المدعى. 10- وباستلزامه محالا. 11- المصادرة على المطلوب جزئية. 12- وتوقفا ولو باختلاف اللفظ. 13- القول بالموجب لعمومه أي الدليل عن الدعوى 14- لقصور عنها لخصوصه. 15- المعارضة عليها. 16- وعلى مقدماتها (1/ 207) 17- إبطال المبني، وهو غير القدح في دليله، وذلك في المقدمات القريبة، وأنفع منه لهدمه أساسا، ولكن في طرفي المناظرة لئلا يشوش بالانتقال. 18- تساوي الدليل والدعوى قبولا وردا للاشتراك في أصل. 19- استثبات التفاريع عليها بعد الاعتراف تقديرا. 20- مخالفة النص أو إمام الفن. ويجاب: 1-بالإعلام. 2- والعرض. 3- والتوثيق. 4- والترجيح بقرب وشهادة حاذق. 5- والاستدلال. 6 و 7- التطبيق على القواعد. 8- ونفي المناسبة. 9- والفرق بين الصورتين. 10 و 11- المتقدمتين. 12- وإبداء وسط يرفع التوقف. 13- وتوجيه التقريب. 14 و 15- تبديل المنصب (1/ 208) 16 و 17- أييد المبني بعد تحريره 18- وقطع التفريع. 19- وتصحيح الفروع برفع الاستبعاد أو الإنكار. 20- والتأويل راجحا والجرح مرجوحا أو مرجوعا عنه لإعمال غيره، وعند العجز الانتقال أو الإذعان. والثالث أي المعرف لا يحتمل النقض والمعارضة. ومنوع الأحكام الضمنية دعاوي يجب إثباتها: 1- كالدور مصرحا ومضمرا. 2- فمنها للحمل. 3- والتصوري للبديهة والسور. 4- والجلاء مطلقا. 5- والمنع. 6- والجمع وافيا. 7- والتناول. 8- والاندراج للإطباق. 9- ووجه الشبه بالمبائن قاصرا. 10- والذاتية حدا لفقد أحكامها. وكله في الخفاء وبعد الظهور مجادلة لا يسامح فيها، وقلما يلتزم إثبات شيء (1/ 209). التدريس: تفهيم الكتاب باللسان، وطريقه للقاصر الترجمة فقط فيتبلد الذهنان. وللفالي ذكر ما أمكن حفظا ومراجعة فيعسر اليسير بالتعجيل ويطول زمان التحصيل، وللمستعجل الاكتفاء بصدور الكتب بالدقة فيحوج إلى شغل ثان للاستيفاء والاقتصار على العد في العلماء، وللحاذق من كل علم مبسوط، وفي البداية تعليم متن سهل لمعرفة الاصطلاحات وأصول القواعد وشرح مستوف لفوائد القيود والأدلة والأبحاث والاختلافات المشهورة وحاشية لملكة التدقيق جرحا وتعديلا وترجيحا، والاعتياد بوصل الخارج وجمع المنتشر فإن احتيج زيد. ومن المختصر ما يكفي وضوابطه: 1- ضبط المشكل بنوع الحركة والسكون والإعجام والإهمال والتقديم والتأخير. 2- شرح الغريب لغة واصطلاحا. 3- كشف المغلق صيغة وتركيبا. 4- تصوير المسألة بتمثيل وتشكيل. 5- تقريب الأدلة بتصريح المطويات والوصل بالأصل (1/ 210). 6- تحقيق القواعد بفوائد القيود، وسد الانكسار بلا فضول ولا إغلاق. 7- تنقيح التعريفات بهما وبالاستنباط المشترك والمميز من التقسيمات. 8- وجه الحصر والترتيب في الأقسام والأبواب. 9- تفريق الملتبسين من التوجيهات والتعليلات والأقوال. 10- تطبيق المختلفين من كلامي واحد ومتحدي مذهب. 11- التنبيه على الاستثناءات والإيرادات الظاهرة الورود ودفعها. 12- تفتيش الحوالة عن محلها. 13- بيان المبهم من وجوه النظر والأولى والصواب والسؤال المقدر. 14- الترجيح بين التوجيهات وإبداء الأسلم والأقرب منها وما علي كل. 15- سبب تغيير الأسلوب المعروف. 16- تعيين السؤال والجواب بنوعه ومنشئه ومورده. 17- حسن التقرير بإيضاح موجز. 18- الترجمة بلغة الطالبين. 19- إعمال فكره في حل ما يمكن منه (1/ 211) 20- حفظ اللسان عن سوء الخلق. 21- حفظ وضع المعترض والمجيب. 22- تلخيص المتشتت. 23- توزيع الفروع والعلل على ملفوف أو ملحوظ. 24- التيقظ عند ترتيب الأسئلة والأجوبة لأصل الإثبات والنفي. 25- الحذر عما يوجب سوء الفهم ويستوي فيه المنقول والمعقول البرهاني والخطابي، إلا أن الاعتبار في الأول بتحقيق العبارات والربط أكثر، وفي الثاني بالوصل إلى البديهيات أصولا والمسلمات فروعا، وفي الثالث بالمناسبات الظنية. فلا يزال ينبه عليها بما يتحمل حتى يتخذه ملكه بفكره، ثم يعرض مطالعته على مطالعته وعلى الحواشي ويفهمه الغلط والحذر عنه ثم يمتحنه بتصنيف شرح أو حاشية يؤدي فيه حقه ويستحق الوثوق برأيه. التتلمذ: فهم الكتاب بالاستماع بعد الصحة والمعاش، ولو بالقناعة والشوق والجد ولو بالتحريص، والفهم والحفظ ولو بالجهد، والمداومة وحسن الظن مع الأستاذ ولو في الفن، والكتاب الواضح الصحيح والأستاذ الماهر الشفيق ولو بالطمع - حقه (1/ 212): 1- صحة القراءة. 2- وتمييز الجمل. 3- والاستماع بتفريغ القلب. 4- والتثبت في الفهم. 5- واستكشاف ما خفي. 6- وعرض الشبهة بالأدب. 7- وجمع سابق البحث ولاحقه في الذهن. 8- وتقدم النظر ليكون أوقع وعلى بصيرة، وفي البداية بحضور المعلم أنفع. 9- والمعاودة ليستقر وبالتقرير أجود. 10- والتحفظ للإحضار حيث ينبغي، ومع الكتابة أحسن. 11- والامتثال لما يراه أصلح. 12- والاجتناب عما ينقبض به الخاطر. 13- وعن التعرض لبعيد المناسبة. 14- وعن الضجر من الحوالة فيما تعسر جدا فإنه: ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ** ويأتيك بالأخبار من لم تزود 15- ولطالب التحقيق سلخ الألفاظ المتخيلة عن صورة للشيء يطابقها جميع صفاته ويلائمها جميع فروعه المتفقة عليها (1/ 213). التصنيف: تأليف الكلام لتحريره نثرا ونظما، والمراد ما في العلوم، فما لم يتعلق بغيره صريحا فمتن، أو تعلق متصلا فشرح مدمج، أو مفصولاً، بـ ((قال أقول)) ونحوها أو على الطفرة فتعليق وحاشية، ومن كل وجيز ووسيط وبسيط، وله أغراض سياقه بحسبها. 1- اختراع جديد. 2- ضبط قديم. 3- ترويج خامل. 4- جمع متفرق. 5- تجريد عن زائد أو فاسد لفظا أو معنى. 6- تتميم بلاحق، كاستثناءات وقيود وأمثلة وأدلة ومسائل ومآخذ. 7- إبانة حق بدءا أو نصرا أو ذبا. 8- إزاحة باطل بكشف شبهة أو ضلالة. 9- اشتراك في تفرد. 10- إصلاح ترتيب. 11- تسهيل مغلق بحل أو بسط. 12- انتزاع أصل من منتشر (1/ 214). 13- تفريع شعب لمجمل. 14- تحقيق مقام أو كتاب أو فن بجمع ماله وعليه. 15- تبديل نثر بنظم. 16- ولغة بلغة أخرى، ودون له والدي - رحمه الله تعالى - قوانين الترجمة. 17- وتتركب كثيرا. فبعد إتقان اللغة والفن وسليقة الإيجاز والإطناب يستعان فيه بما مر؛ ففي الشروح والحواشي الحل بضوابط التدريس، وفي إعانة الحق بالمنطق، وفي الرد بأسئلة المناظرة، وفي التوجيه بأجوبتها مع النحو والبلاغة والأصول، وفي بعض بسليقة البيان، وفي طائفة بالتتبع والتبحر وأمثالها مع مزيد التحفظ في النقل والنقد وحسن التقرير إيجاز أو بسطا بحسب المحل وحفظ الوضع من المذهب والمنصب، فإن من صنف استهدف. ويكون لخصوص الكتاب من المقدمات مثل ما في مقدمة العلم مع الزمان والمكان والرموز فليجمعها في واحدة أو ليقدم في الديباجة على مقدمة العلم. المطالعة: النظر في الكتاب بفهم المراد والخلل، وبعد اقتناء اللغة والاصطلاح، وملكة الترجمة تتمم بأنظار ثلاثة تداخلت أو تعاقبت (1/ 215): الأول: للإحاطة بالمعاني الثانوية وتمييز المذكور عن المتروك وبعض الجمل عن بعض والطرفين عن القيود. والثاني: لمعرفة فوائدها والمعاني الأولية وجديد التصرف وربط الأدلة والأبحاث فيما بينها استقامة واعوجاجا بما في التدريس. والثالث: للنقد بالهدم والتشييد والنقد والترصيف، ويفهم المعنى: 1- بعبارة الكلام من لفظه بلا شبهة قصدا. 2- وإشارته كذلك ضمنا. 3- وعمومه لبيان الفردية. 4- والإدراج فيه لمبينها بعد خفاء لكمال أو نقص أو ثبوت الركن وفقد اللوازم العرفية ونحوها. 5- وتقديره لمحذوف يشهد له العرف بلا روية. 6- وإيمائه لترجيح أحد محتمليه بقاطع، أو ظني كشهادة كلام ثان له، أو عدم اجتماع الأوصاف في غيره وكونه أهم المقاصد. أو أدنى مصداق أو فائدة لولاه لبطل ولغي، أو قربه معنى، أو مزيد نفعه، أو نحوه. 7- وإشعار من سياقه كالتقديم والتأخير والعدول وجواب الوهم والانطباق والحذف حيث يذكر، والإدارة على الوصف والتعقيب بأن في التنزيل شبهها. 8- ومقامه كالتيسير والتشديد والفخامة والحقارة والتدقيق والمسامحة والاهتمام والتبعية (1/ 216). 9- وتجوزه لتعذر الحقيقة وقيام القرينة. 10- وكنايته لعدم وفاء الصريح بالغرض وإن صح. 11- وتعارفه من زيادة لفظ وبيانية إضافة، والتكثير بالواحد والاعتبار لتكرار وعزمه وتعمم خاص وعكسه وإخراج المتكلم من الكلام. 12- وبالتزامه بالالتفات إلى ما لا ينفك ذهنا لعلاقة ذاتية، كالملكة لعدمها، وأحد المتضايفين للآخر، أو عادة طبعية كالنور للكواكب والحرارة للنار، أو عرفية كالسخاوة لحاتم والشجاعة لرستم. 13- ومنافاته لوجوب ارتفاع مقابلة. 14- واقتضائه لما يتوقف عليه صدقة عقلا أو شرعا أو عادة وهما بينان بالمعنى الأعم. 15- واستلزامه لما يترتب عليه ولا يعرف إلا بممارسة وفكر من غير البين. 16- وفحواه فيما عليته مناطة وحصوله في الفرع بالعرف واللغة. 17- والقياس عليه في مثله بالنظر. 18- واعتباره لاجتماع مباد في الذهن أورثت بسماعه ما لا ينقدح لغيره (1/ 217). 19- ومفهومه المخالف بشروطه حيث يتعين فائدة. 20- وتأليفه اقترانيا من مقدمتين في أثنائه مشتركتين في جزء، واستئناثيا من شرطية أو فرع لأصل مع اعتراف أو إنكار لأحد طرفيها. 21- والاقتصار عليه عن الأبين والأرفق في معرض البيان. ويخل به - أي بفهم المعنى - الجهل: 1- بالموضوع له. 2- والوضع. 3- وخواص التراكيب. 4- والمرجح. 5- والصارف. 6- والقرينة. 7- ثم توجه المفاسد. 8- والحذف. 9- والخلط. 10- والانتشار. فبعد سكب السليقة بالتتلمذ يستعان بالفحص عن معادنها والشروح والحواشي وكتب الفن وإمعان الفكر، وأعظم نفعها في الكتاب والسنة. هذا ما تيسر لي بفضل الله وله المنة، ومن ارتقى إلى الكمال فليزد (1/ 218) فيه ما شاء، فإن العلوم تتزايد بتلاحق الأفكار، والله سبحانه دائم الجود مفيض الأسرار والحمد لله)) انتهى. كلامه وهو الباب الثاني من كتابه على التمام والكمال. وقال الشيخ، العلامة: عليم الله بن عبد الرزاق، في شرح (رسالة المطالعة) ما عبارته: ((واعلم أن المطالعة علم يعرف به مراد المحرر بتحريره وغايته الفوز بمراده حقا والسلامة عن الخطأ والتخطئة باطلاً. وموضوعه المحرر من حيث هو. فإذا أردت الشروع في المطالعة، وهو صرف الفكر في مبحث ليتجلى معناه فانظر وتأمل في المبحث مبتدئا من أوله منتهيا إلى آخره نظرا إجماليا. لكن ينبغي أن يكون ذلك النظر على وجه ينتقش في ذهنك جملة المعنى المراد منه، فإن انتقش في النظر الأول فذاك وإلا فذلك، إما لخفاء في اللغة، أو لغط، أو لسهو، أو لنسيان، من النساخ بحذف أو زيادة أو قلب أو تصحيف، أو لتعقيد أو لقصور فيك فراجع في الأول إلى كتب اللغة أو إلى من عنده علمها، وفي الثاني والثالث والرابع إلى نسخة أصح منها، وأما في الأخيرين فانظر نظرا ثانيا أو ثالثا فصاعدا حتى ينتقش المراد. ثم بعد الانتقاش لاحظ الأمور التصورية من كل قضية منه أولا فأولا على الترتيب بدقة النظر في تلك الملاحظة، واستبصر في كل من تلك الأمور هل يرد على واحد منها أمر من الأمور القادحة فيها أم لا، والمراد بالورود ههنا التوجه الذي هو أعم منه، وبعد ظهور ذلك الأمر من القوادح استبصر ثانيا هل يمكن دفع ذلك الأمر منها أم لا، وبعد ظهر الدافع ثالثا هل يمكن دفع ما يدفع ذلك الدافع (1/ 219) أم لا. وهكذا إلى حيث يتوطن الذهن وآية التوطن اختبار بتثنية النظر وتثليثه فصاعدا على حسب المقام، وبعد الفراغ من تلك الملاحظة لاحظ الأمور التصديقية أيضا بدقة النظر، واستبصر في لك منها هل يتوجه على واحد منها شيء من الأشياء التي يقدح فيها أم لا. وبعد ظهور شيء من القوادح استبصر ثانيا هل يسوغ ويمكن التقصي عنها أم لا. وبعد ظهور التقصي عنها ثالثا هل يمكن التقصي عن ذلك التقصي أم لا. وهكذا إلى حيث يحصل التوطن وآيته ههنا آيته هناك. وبعد الفراغ عن تينك الملاحظتين لا حظ الأمور القادحة الموردة التي أوردها عليها مورد سواء كانت محررة في شرح أو حاشية أولا. والغرض من هذه الملاحظة أن يظهر لك هل هي متوجهة كما هو في زعم المورد أم لا. فإن ظهرت غير متوجهة أصلا فلا تلتفت إليها إلا أن يكون المورد عظيم الشأن معتقد الكل أو الأكثر، فهناك القصور فيك لا فيه فتوقف حينئذ واختبر نظرك بتكريره مرة بعد أخرى. ثم بالمطارحة مع الأقران، ثم بالعرض على المشائخ والأستاذين، فإن أزاحوا شبهتك فذاك وإلا فالتسليم والإحالة إلى وقت فتحه تعالى، وإلا فاستبصر في دفعها هل هو ممكن أو لا. وبعد ظهور الدافع يمكن دفع ما يدفعه أم لا. وهكذا إلى حصول التوطن. فإذا نظرت في المبحث من أوله إلى آخره على هذا الوجه المذكور فلا يخلو حالك عن أحد هذه الأمور الثلاثة: إما أن لا تكون أنت واجدا ومصيبا لشيء من القوادح أصلا، فعدم (1/ 220) الوجدان والإصابة إما لقصور ذهنك عن إدراكه أو لعدمه لكمال من حرره في التحرير بحيث لا يتطرق إليه قدح ولا نقص أصلا، أو لوقوع تحريره هذا كاملا. وإما أن تكون أنت واجد الشيء من الأشياء الواردة القادحة المدفوعة التي دفعها الناس أو أمكن دفعها. وإما أن تكون أنت واجد الشيء من الأشياء الواردة الغير المدفوعة. ولا قصور في شيء من هذه الأحوال التي هي في المورد الثلاثة المذكورة إلا في الحالة الأولى، فإن القصور فيها محتمل كما تقدم. وإذا كانت ناشئة من القصور وظهر لك أن الحالة الأولى منشؤها قصور ذهنك عن دركه فلا تفتر جدك وجهدك في النظر والمطالعة بل استمر واثبت على ذلك، فإن الممارسة لشيء والملازمة له تورث الكمال في ذلك الشيء. فإذا فرغت عن النظر في المبحث الأول بالطريقة المهدية إليها الهادية إلى الحق فانظر في المبحث الثاني من أوله إلى آخره على الوجه الذي أريناك، فإن ظهر عليك أن القصور في نفسك باق بعد بأن لم تجد مدعاه أو شيئا من القوادح فلا تفتر جدك وجهدك في النظر والمطالعة بل أثبت فانظر في المبحث الثالث على ذلك الوجه، وهكذا إلى أن يتم الكتاب. فإن حصل لك الكمال فذلك وإلا فإعادته إلى كتاب آخر فآخر إلى أن يحصل لكل الكمال. وعد نفسك محلا قابلا لفيضان الكمالات عليها، ولا تيأس من فضل الله فإنك أيها العاقل لست من الذين قد محاهم المخاطبون عن دفاترهم، وفضل الله على الخلق أوسع من خواطرهم. وإذا وقع جدك وجهدك في المطالعة على هذا النهج والطريق المذكور سنة أو أكثر إلى سنتين لا أظنك أن لا تترقى بل أجزم أن تترقى في المطالعة إلى وجه تقدر (1/ 221) على تمييز المقبول من الأحكام عن المردود منها، فإذا صرت مقتدرا كامل القدرة على ذلك الطريق بحيث لا يحوم حولك قصور ولا خطأ ولا فتور فارتق إلى حيث خلقت نوعا أو شخصا له من المراتب العالية من الكمالات النفسية التي هي معرفة الله تعالى ذاتا وصفة حيث قال تعالى: قف: اعلم أن الشارح والمحشي إذا زاد على الأصل شيئا فالزائد لا يخلو إما أن يكون بحثا أو اعتراضا أو تفصيلا لما أجمله أو تكميلا لما نقصه وأهمله، والتكميل إن كان مأخوذا من كلام سابق أو لاحق فإبراز وإلا فاعتراض، فعلى الأولين إما تفسير لما أبهمه، فإن كان بكلمة ((أي)) أو بالبيان أو بالعطف فتفسير باللفظ، وإن كان بكلمة ((يعني)) أو ما يرادفه فتفسير بالمعنى الظاهر. وصيغ الاعتراض مشهورة، ولبعضها محل يشارك فيه الآخر فيرد، و((ما اشتق منه)) لما لا مدفع له بزعم المعترض ويتوجه، و((المشتق منه)) أعم منه، ونحو ((إن قلت)) مما هو بصيغة المعلوم شرطا لما تحقق له الجواب مع قوة في البحث، ونحو((إن قيل له)) مع ضعف فيه و((قد يقال)) ونحوه لما فيه ضعف شديد ونحوه ((لقائل)) لما فيه ضعف ضعيف ((وفيه بحث)) ونحوه لما فيه قوة سواء تحقق الجواب أولا، وصيغة المجهول ماضيا كان أو مضارعا ولا يبعد ويمكن كلها صيغ التمريض يدل على ضعف مدخولها بحثا كان أو جواباً و ((أقول)) وقلت لما هو خاصة القائل. وقد اشتهر من الأستاذين أن ((لا يبعد أن)) (شرح الكافية) للشيخ الأجل الكامل في الكل الشيخ عبد الرحمن الجامي قدس سره من خواصه. وكذا (1/ 222) ((قد يقالات)) (شرح المواقف) للسيد سند الكل في الكل له خاصة. واختيار صيغ التمريض تواضع منهما رفع الله تعالى قدرهما. وإذا قيل ((حاصله)) أو((محصله)) أو((تحريره)) أو ((تنقيحه)) أو نحو ذلك فذاك إشارة إلى قصور في الأصل واشتماله على حشو وإيهام. وتراهم يقولون فيم قام إقامة شيء مقام آخر مرة ((نزل منزلته)) وأخرى ((أنيب منابه)) وأخرى ((أقيم مقامه)) فالأول في إقامة الأعلى مقام الأدنى، والثاني بالعكس، والثالث في المساواة، وإذا رأيت واحدا منها مكان الآخر فهناك نكتة، وإنما اختاروا في الأول التفعيل وفي الأخيرين الأفعال، لأن تنزيل الأعلى مكان الأدنى يحوج إلى العلاج والتدريج. وربما يختم البحث بنحو ((تأمل)) فهو إشارة إلى دقة المقام مرة وإلى خدشة فيه أخرى سواء كان بـ ((فيه)) أو بدونها، إلا في مصنفات العلامة مولانا جلال الدين الدواني نور الله مرقده فإنه بـ((فيه)) إشارة إلى الثاني، وبدونها إلى الأول. وهذا اصطلاح جديد له على ما نقله عنه بعض تلامذته مختص بها غير متجاوز عنها)) انتهى. ملخصا. أدب البحث: هو علم يوصل به إلى كيفية الاحتراز عن الخطأ في (1/ 223) المناظرة. وموضوعه المناظرة، إذ يبحث فيه عن أحوالها وكيفياتها، وأوردنا ههنا ما هو المطلب الأعلى والاهتمام بشأنه هو المقصد الأقصى فنقول: لا بد أن يعلم أولا أن المعلل ما دام في تقرير الأقوال والمذاهب، وتحرير المباحث لا يتجه عليه، ولا يطلب منه شيء سوى تصحيح النقل وتصريح أن فلانا قال كذا في كذا إن طولب به، فإذا شرع في إقامة الدليل على ما ادعاه يتجه عليه طريق المناظرة. قف: اعلم أن كلام المناظرين إما أن يقع في التعريفات أو في المسائل، فإن وقع في التعريفات فللسائل طلب الشرائط وإيراد النقض بوجود أحدهما بدون الآخر ولا يرد عليه المنع لأنه طلب الدليل، والدليل على التصديق إلا أن يدعي الخصم حكما صريحا بان يقول هذا مفهومه لغة أو عرفا أو اصطلاحا أو ضمنا. فللسائل أن يمنع وللمعلل - أي المجيب - أن يجيب والجواب عن التعريف الاسمي سهل حاصله يرجع إلى الاصطلاح وإلى أن يقول المعلل: ((إن مرادي بهذا اللفظ هذا المعنى)) وعن التعريف الحقيقي، أعني تعريف الماهيات الموجودة في الخارج، صعب إذ لا مدخل فيه للاصطلاح، بل يجب فيه العلم بالذاتيات بالذاتيان والعوارض، والتفرقة بينهما بان يفرق بين الجنس والعرض العام والفصل والخاصة، وهذا متعسر جدا في التعريف بل متعذر، وكذا لا نرد عليه (1/ 224) المناقضة فإنها هي طلب الدليل الدال على نقيض المدعي، والدليل منتف هنا وإن وقع في المسائل، فإذا شرع المعلل في إقامة الدليل فالخصم إن منع مقدمة معينة من مقدماته أو كليهما على التعينين فذاك يسمى مناقضة ونقضا تفصيليا فلا يحتاج فيه إلى شاهد. وإن ذكر شيئا مما يتقوى به المنع يسمى سندا، فإن لم يذكره لم يجز الاعتراض عليه إلا إذا ادعى مساواته المنع، لأن السند ملزوم لثبوت المنع، وانتفاء الملزوم لا يستلزم انتفاء اللازم لكن على تقدير المساواة يمكن انتفاؤه، وأكثر ما يستند إليه يذكر مساويا فلذا شاع الكلام عليه. وإن منع مقدمة غير معينة بان يقول: ليس هذا الدليل بجميع مقدماته صحيحا، بمعنى أن فيها خللا، فذلك يسمى نقضا إجماليا ولا يسمع إلا أن يذكر الشاهد على الخلل، وإن لم يمنع شيئا من المقدمات لا إجمالا ولا تفصيلا بل قابل بدليل دال على نقيض مدعاه يسمى معارضة ويصير السائل معللا وبالعكس. واعلم أن السؤال المتعلق بالإفهام يسمى الاستفسار، وهو طلب بيان معنى اللفظ في الأغلب، وإنما يسمع إذا كان في اللفظ إجمال أو غرابة، وكذلك كل ما يمكن فيه الاستبهام حسن فيه الاستفهام، وإلا فهو لجاج وتعنت، ولفائدة المناظرة مفوت إذ يأتي في كل لفظ تفسير فيتسلسل، والجواب عن الاستفهام ببيان ظهوره في مقصوده إما بالنقل عن أهل اللغة، أو بالعرف العام، أو الخاص، أو بالقرائن المضمومة، وإن عجز عن ذلك كله فالتفسير بما يصح لغة، وإلا يكون من جنس اللعب فيخرج عما وضعت له المناظرة وإظهار الحق. وهذا الاستفهام يرد على تقرير المدعي وعلى جميع المقدمات وعلى جميع الأدلة فلا سؤال أعم منه (1/ 225). تنبيه: من الواجب على المعلل أن لا يستعجل بالجواب بل يطلب منه توجيه المنع وتحقيقه، إذ ربما لا يتمكن المانع توجيهه أو يظهر فساده أو يتذكر جوابه، فإذا أجيب فعلى المانع أو لا يستعجل بل ويطلب توجيه الجواب وتفصيله، إذ ربما لا يقدر عليه أن يكون غلطا. ومما يجب على المتناظرين أن يتكلما في كل علم بما هو حده ووظيفته، فلا يتكلما في اليقيني بوظائف الظني، وبالعكس (1/ 226).
|