الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أبجد العلوم **
كان في أوائل المائة الخامسة، له: المحاضرات، وأفانين البلاغة، وغير ذلك؛ والناس يظنون أنه معتزلي، لكن نقل السيوطي، عن الفخر الرازي: أنه من أئمة السنة، وقرنه بالغزالي، وهذه فائدة حسنة، فلا عبرة بظنون الناس، - وإن بعض الظن إثم -. الكاتب، الملقب: كافي الكفاءة، بهاء الدين، البغدادي؛ صاحب: التذكرة الحمدونية في علم المحاضرات، كان فاضلا، ذا معرفة تامة بالأدب والكتابة، من بيت مشهور بالرياسة، وكتابه: التذكرة، من أحسن المجامع، يشتمل على التاريخ، والأدب، والنوادر، والأشعار، لم يجمع أحد من المتأخرين مثله. ولد في سنة 495، وتوفي سنة 562، وكان موته في الحبس. مولى هشام القرطبي، صاحب كتاب العقد الفريد، كان من العلماء المكثرين من المحفوظات، والاطلاع على أخبار الناس؛ وكتابه: العقد، من الكتب الممتعة، حوى من كل شيء، طبع في هذا الزمان بمصر القاهرة؛ وله ديوان شعر جيد، تشمل أشعاره كل معنى مليح، وكل لفظ فصيح. (3/ 69) ولد في سنة 246، وتوفي في سنة 328، وكان قد أصابه الفالج قبل ذلك بأعوام، وقُرْطُبة: بالضم: مدينة كبيرة من بلاد الأندلس، وهي دار مملكتها. صاحب كتاب الأغاني، الذي طبع بمصر حالا. ولد بأصبهان، ونشأ ببغداد، وكان من أعيان أدبائها، وأفراد مصنفيها، عالما بأيام الناس، والأنساب، والسير. روى عن عالم كثير من العلماء يطول تعدادهم. قال التنوخي: وكان من المتشيعين الذي شاهدناهم، وكان يحفظ من اللغة، والنحو، والمغازي، والسير، والأغاني، والخرافات، والأخبار، والآثار، والأحاديث المسندة، والنسب، مالم أر قط يحفظه مثله، ويحفظ دون ذلك من علوم أخر، ومن آلات المنادمة، شيئا كثيرا، مثل: البيطرة، وعلم الجوارح، وطرف من الطب، والنجوم، والأشربة، وغيرها، وشعره يجمع إتقان العلماء، وإحسان الظرفاء. وله من المصنفات المستملحة: كتاب الأغاني في المحاضرات، الذي وقع الاتفاق على أنه لم يُعمل في بابه مثله؛ يقال: إنه جمعه في خمسين سنة، وحمله إلى سيف الدولة بن حمدان، فأعطاه ألف دينار، واعتذر إليه. وحُكي: عن الصاحب بن عباد، أنه كان في أسفاره وتنقلاته يستصحب حِمْلَ ثلاثين جملا من كتب الأدب ليطالعها، فلما وصل إليه كتاب الأغاني، لم يكن بعد ذلك يستصحب سواه، استغناء به عنها. ومنها: كتاب القيان، وكتاب الديارات، وكتاب دعوة الأطباء. ومنها: كتاب جمهرة النسب، وكتاب الغلمان المغنين، وكتاب الإماء الشواعر؛ وحصل له ببلاد الأندلس كتب صنفها لبني أمية ملوك الأندلس، وكان منقطعا إلى الوزير المهلبي، وله فيه مدائح، وشعره كثير، ومحاسنه شهيرة. ولد في سنة 284، وتوفي سنة 356 ببغداد، وكان قد خلط قبل أن يموت، (3/ 70) وكان من أولاد مروان بن الحكم الأموي، آخر خلفاء بني أمية، وهو: أصبهاني الأصل، بغدادي المنشأ. المعروف: بابن أبي حجلة نزيل دمشق، ثم القاهرة. ولد سنة 725، واشتغل، ثم قدم إلى الحج فلم يرجع، ومهر في الأدب، ونظم الكتب، ونثر فأجاد، وترسل ففاق، وعمل المقامات، وغيرها، وكان حنفي المذهب، حنبلي المعتقد، وكان كثير الحط على الاتحادية، صنف: كتابا عارض به قصائد ابن الفارض كلَّها النبوية، وكان يحطُّ عليه لكونه لم يمدح النبي صلى الله عليه وسلم، ويحطّ على أهل نحلته، ويرميه ومَنْ يقول بمقالته بالعظائم، وقد امتُحِنَ بسبب ذلك على يد سراج الهندي، وكان يقول الشعر، ولا يحسن العروض، وجمع مجاميع حسنة، منها: ديوان الصبابة، ومنطق الطير، وسكردان السلطان في علم المحاضرات، والأدب الغض، وأطيب الطيب، والنعمة الشاملة في العشرة الكاملة، وقصيرات الحجال، وغير ذلك. مات في مستهل ذي الحجة، سنة 776، وله إحدى وخمسون سنة. كمال الدين، محمد بن موسى، الدميري الشافعي، المصري؛ صاحب كتاب حياة الحيوان في علم المحاضرة، وله: تصانيف مفيدة في علوم عديدة، كان كثير العبادة، قائما بالصوم، عدم النظير في وقته، وكان يكتسب أولا بالخياطة، ثم تركه، ولم يتقلد القضاء أصلا، ولا لبس لبسا فاخرا. أخذ عن الأسنوي، والعراقي، وأعيان العلماء، ومَن تأمَّل كتابه: حياة الحيوان، وما أودعه فيه من الغرائب والفوائد، عرف فضله. ولد سنة 743، وتوفي بالقاهرة سنة 808، والدميري: بكسر الدال والميم، وقيل: بفتحها وكسر الميم، قال في مدينة العلوم: ولعل الصواب هو الأخير، لأني قد وجدته مضبوطا بخط بعض الثقات. (3/ 71) صاحب كتاب: يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر، وهو أكبر كتبه وأحسنها وأجمعها. والثعالبي: نسبة إلى خياطة جلود الثعالب وعملها. وله: كتاب فقه اللغة، وسحر البلاغة، وسر البراعة. قال ابن بسام، صاحب الذخيرة، في حقه: كان في وقته راعي تلعات العلم، وجامع أشتات النثر والنظم، رأس المؤلفين في زمانه، وإمام المصنفين بحكم أقرانه، سار ذكره سير المثل، وضربت إليه آباط الإبل، وتواليفه أشهر مواضع، وأبهر مطالع، وأكثر راو لها وجامع، طلعت دواوينه في المشارق والمغارب، طلوع النجم في الغياهب. ولد سنة 350، وتوفي سنة 429، وله كتاب: مؤنس الوحيد في المحاضرات وشيء كثير، جمع فيه أشعار الناس، ورسائلهم، وأخبارهم، وأحوالهم، وفيها دلالة على كثرة اطلاعه، وله أشعار كثيرة، ذكر طرفا منها ابن خلكان في تاريخه. الطائي، الأندلسي، يعرف: بابن عربي عمدة الواصلين، وسند السالكين، كان جليل الشأن في العلم والعمل، وله المصنفات الوافرة، والمؤلفات الزاخرة، منها: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار، من كتب علم المحاضرة. مولده سنة 560. وعنه أخذ: الشيخ شرف الدين بن الفارض، والشيخ صدر الدين القونوي. (3/ 72) وتوفي سنة 638، ودفن بالصالحية، بسفح قاسيون، بتربة بني الزكي، وقبره بها يزار بدمشق. صاحب الحماسة. و كان أبو تمام أسمر، طويلا، فصيحا، حلو الكلام، فيه تمتمة يسيرة، و اشتغل و تنقل إلى أن صار منه ما صار. وتوفي بالموصل سنة 231، أو سنة 228، أو سنة 229، وقيل: سنة 232، كذا قاله ابن خلكان في تاريخه: وفيات الأعيان. أبو الحسن، علي بن أحمد بن منصور المعروف: بالبسَّام، الشاعر المشهور، صاحب الذخيرة. كانت أمه: أمامة: ابنة حمدون النديم، وهو من أعيان الشعراء، وأفاضل الظرفاء، لَسِنَاً، مطبوعا في الهجاء، لم يسلم منه أمير ولا وزير، ولا صغير ولا كبير. توفي سنة 303، أو 302، عن نيف وسبعين سنة. من معرة النعمان، من الشام، بالقرب من حماة؛ غزير الفضل، شائع الذكر، وافر العلم، غاية في الفهم، عالما باللغة، حاذقا بالنحو، جيد الشعر، جزل الكلام، شهرته تغني عن صفته. وله التصانيف المشهورة، والرسائل المأثورة، وله من النظم: لزوم مالا يلزم، وهو كبير في خمسة أجزاء، أو ما يقاربها، وله: سقط الزند، وشرحه بنفسه، وسماه: ضوء السقط، وله: كتاب الأيك والغصون في الأدب، يقارب المائة جزء، وكان علامة عصره، متضلعا من فنون الأدب. ولد يوم الجمعة، عند الغروب، لثلاث بقين من ربيع الأول، سنة 363، بالمعرة، وجدر في السنة الثالثة من عمره، فعمي منه، وهو مجدر الوجه، نحيف الجسم، وكان يقول: لا أعرف من الألوان إلا الأحمر، لأني أُلبست في الجدري ثوبا مصبوغا بالعصفر؛ قال الشعر وهو ابن إحدى، أو اثنتي عشرة سنة. (3/ 73) وأخذ النحو واللغة عن أبيه، وعن محمد بن سعد النحوي بحلب، وهو من بيت علم ورياسة، وكان متهما في دينه، يرى رأي البراهمة والحكماء المتقدمين، لا يرى أكل اللحم، ولا يؤمن بالبعث والنشور وبعث الرسل، وشعره المتضمن للإلحاد كثير. قال ابن العميل في كتابه: وقع التجري على المعري: كان يرميه أهل الحسد بالتعطيل، ويُعملون على لسانه الأشعار، يضمنونها أقوال الملاحدة قصدا لهلاكه، وقد نُقل عنه أشعار تتضمن صحة عقيدته، وكذب ما يُنسب إليه من إسناد الإلحاد إليه. وقال الذهبي: إنه ملحد، وحكم بزندقته. وقال السلفي: أظنه تاب وأناب. وله من التصانيف: ديوان الشعر، وشرح شعر المتنبي، وسماه: معجز أحمد، وشرح شعر البحتري، وسماه: عبث الوليد، واختصر ديوان أبي تمام، وشرحه، وسماه: ذكرى حبيب. والتنوخي: نسبة إلى تنوخ، وهو: اسم لعدة قبائل اجتمعوا قديما بالبحرين، وتحالفوا على التناصر، وأقاموا هناك، فسُمُّوا: تنوخا، والتنوخ: الإقامة، وهذه القبيلة: إحدى القبائل الثلاث التي هي نصارى العرب، وهم: بهراء، وتنوخ، وتغلب. مات ليلة الجمعة، سنة 449، وذكر له ابن الوردي ترجمة حافلة في تاريخه، فليُعلم. أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي، الكندي، الكوفي، أبو الطيِّب المتنبي الشاعر المشهور، وقيل: أحمد بن الحسين بن مرة بن عبد الجبار، وهو من أهل الكوفة، قدم إلى الشام في صباه، وجال في أقطاره، واشتغل بفنون الأدب، ومهر فيها، وكان من المكثرين في نقل اللغة، والمطلعين على غريبها وحوشيها، لا يُسأل عن شيء إلا واستشهد فيه بكلام العرب من النظم والنثر، حتى قيل: إن الشيخ أبا علي الفارسي قال له يوما: كم لنا من الجموع على وزن فعلى؟ فقال في الحال: حجلى، وظربى. (3/ 74) قال أبو علي: فطالعت كتب اللغة ثلاث ليال، على أن أجد لهذين الجمعين ثالثا، فلم أجد. قال ابن خلكان: وحسبك أن يقول في حقه أبو علي هذه المقالة، وكان شعره بلغ الغاية من الفصاحة، والبلاغة، والحكمة، وسائر المحاسن، بحيث لا حاجة إلى مدحه. والناس في شعره على اختلاف: منهم: من يرجحه على شعر أبي تمام ومن بعده. ومنهم: من يرجح شعر أبي تمام عليه. اعتنى العلماء بشرح ديوانه، حتى قال بعضهم: وقفت له على أكثر من أربعين شرحا، ما بين مطول ومختصر، ولم يُفعل هذا بديوان غيره، ولا شك أنه كان رجلا مسعودا، رزق السعادة التامة في شعره، وإنما قيل له: المتنبي، لأنه ادعى النبوة في بادية السماوة، وتبعه خلق كثير من بني كلب وغيرهم، حتى حبس، ثم تاب، وأطلق، وهذا أصح؛ وقيل: لقوله: أنا أول نبي بالشعر، وقيل: لقوله: أنا في أمة - تداركها الله - غريب، كصالح في ثمود؛ وكان سبب قتله قوله: الخيل والليل والبيداء تعرفني ** والحرب والضرب والقرطاس والقلم وذلك في رمضان، سنة 354، ومولده بالكوفة، سنة 303، بمحلة كندة. ويقال: إن أباه كان سقَّاء بالكوفة، وبالجملة: فسمو نفسه، وعلو همته، وأخباره وماجرياته: كثيرة، والاختصار أولى. أبو عبادة، وليد بن عبيد بن يحيى الطائي، البحتري الشاعر المشهور، صاحب الديوان. مدح كثيرا من الخلفاء، أولهم: المتوكل على الله، وكثيرا من الأكابر والرؤساء، وأقام ببغداد زمانا، ثم عاد إلى الشام، وله أشعار كثيرة، فيها ذكر حلب ونواحيها، وكان يتغزل بها. (3/ 75) روى عنه أشياء من شعره: المبرد، والمحاملي، والحكيمي، والصولي. قيل له: أيهما أشعر، أنت أم أبو تمام؟ قال: جيده خير من جيدي، ورديِّي خير من رديِّه. وقيل للمعري: أي الثلاثة أشعر، أبو تمام، أم البحتري، أم المتنبي؟ فقال: هما حكيمان، والشاعر البحتري. قال ابن خلكان: ولعمري ما أنصفه ابن الرومي في قوله: والفتى البحتري يسرق مآقا ** مثل ابن أوس في المدح والتشبيب كل بيت له يجود معنا ** ه فمعناه لابن أوس حبيب وشعره سائر، وديوانه موجود دائر، فلا حاجة إلى الإكثار في مدح شعره. وجمع شعره على الحروف: أبو بكر الصولي. وعلى الأنواع: علي بن حمزة. وللبحتري: كتاب الحماسة، على مثال حماسة أبي تمام، وله: كتاب معاني الشعر. ولد سنة ست، أو سبع، أو خمس، أو ثلاث، أو اثنتين ومائتين، والأول: أصح. وكان يقال لشعره: سلاسل الذهب، وهو في الطبقة العليا. قال ابن الجوزي - في كتاب أعمار الأعيان -: توفي البحتري وهو ابن ثمانين سنة، وكان موته بمنيح، - أطال ابن خلكان في ترجمته -. جرير بن عطية بن الخطفي التميمي الشاعر المشهور، صاحب ديوان الشعر، كان من فحول شعراء الإسلام، وكانت بينه وبين الفرزدق مهاجاة ونقائض، وهو أشعر منه عند أكثر أهل العلم بهذا الشأن. وأجمعت العلماء على: أنه ليس في شعراء الإسلام مثل ثلاثة: جرير، والفرزدق، والأخطل، ويقال: إن بيوت الشعر أربعة: فخر، ومديح، ونسيب، وهجاء، وفي الأربعة: فاق جرير على غيره، ويلقب: بابن المراغة، وهذا لقب لأمه، هجاه ابن الأخطل، ونسبها إلى أن الرجال يتمرغون عليها. ولما مات الفرزدق، وبلغ خبره جريرا بكى، وقال: أما والله، إني لأعلم أني قليل (3/ 76) البقاء بعده، وقلّ ما مات ضد أو صديق، إلا تبعه صاحبه، وكذلك كان، فتوفي سنة 110، وفيها مات الفرزدق، وكان وفاته باليمامة، وعمره نيفا وثمانين سنة، ذكر له ابن خلكان ترجمة حافلة في تاريخه: وفيات الأعيان. الشاعر المشهور: بالفرزدق صاحب جرير، وكان بينهما من المهاجاة والمعاداة، ما هو المشهور في كتب المحاضرات، وقد جُمع لهما كتاب يُسمّى: النقائض، وهو من الكتب المشهورة. توفي بالبصرة سنة 110، قبل جرير بأربعين، أو ثمانين يوما. قال ابن الجوزي: إنهما توفيا في سنة 111، قيل: لقي الفرزدق علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه -؛ وقد قارب المائة. والفرزدق: قطع العجين، وإنما لقب به: لغلظه وقصره، وقيل: لأنه كان جهم الوجه، وقد أصابه جدري في وجهه، وهذا القول: أصح، وقصائده مشهورة موجودة، منها: قصيدته في مدح الإمام زين العابدين التي سارت بها الركبان، وشرحها جمع جم من الأعيان، أولها: هذا سليل حسين وابن فاطمة ** بنت الرسول الذي انجابت به الظلم هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ** والبيت يعرفه والحل والحرم... الخ وقد اختلف أهل المعرفة بالشعر في الفرزدق وجرير، والمفاضلة بينهما، والأكثرون على: أن جرير أشعر منه، وأخبار الفرزدق كثيرة، والاختصار أولى. وذكر له ابن خلكان ترجمة حافلة، وذكر قصيدته المذكورة مع قصتها، ولهذه القصيدة ترجمة بالنظم، للشيخ عبد الرحمن الجامي، ولها شرح للمولوي جميل أحمد البلجرامي، بالفارسي. قال ابن خلكان: وكان الفرزدق كثير التعظيم لقبر أبيه، فما جاءه أحد واستجار به إلا نهض معه، وساعده على بلوغ غرضه. انتهى. ابن عبد الأول، الشاعر المشهور، ولد بالبصرة، ونشأ بها. (3/ 77) وقيل: ولد بالأهواز، ثم خرج إلى الكوفة، ثم إلى بغداد. وأمه: هوازية، اسمها: جلبان، وكان أبوه من جند مروان بن محمد - آخر ملوك بني أمية -، وكان من أهل دمشق، وانتقل إلى الأهواز للرباط، فتزوج جلبان، وأولدها عدة أولاد، منهم: أبو نواس، وأبو معاذ. وروي أن الخصيب - صاحب ديوان الخراج بمصر - سأل أبا نواس: عن نسبه؟ فقال: أغناني أدبي عن نسبي، فأمسك عنه. قال إسماعيل بن نوبخت: ما رأيت قط أوسع علما من أبي نواس، ولا أحفظ منه - مع قلة كتبه -، ولقد فتشنا منزله بعد موته، فما وجدنا له إلا قمطرا، فيه جزاز مشتمل على غريب ونحو، لا غير. وكان في الطبقة الأولى من المولدين، وشعره عشرة أنواع، وهو مجيد فيها، وقد اعتنى بجمع شعره طائفة من الفضلاء، منهم: الصولي، وتوزون، ولهذا يوجد ديوانه مختلفا، وأخباره كثيرة، وأشعاره شهيرة. ولد في سنة 145، أو سنة 136، وتوفي سنة خمس، أو ست وثمانين، أو تسعين ومائة، ببغداد، وإنما، قيل له: أبو نواس، لذؤابتين كانتا تنوسان على عاتقيه، وما أحسن ظنه بربه عز وجل! حيث قال: تكثَّر ما استطعت من الخطايا ** فإنك بالغ ربا غفورا ستبصر إن وردت عليه عفوا ** وتلقى سيدا ملكا كبيرا تعض ندامة كفيك مما ** تركت مخافة النار السرورا قال ابن خلكان: وهذا من أحسن المعاني وأغربها، وأخباره كثيرة، ومن شعره الفائق: قصيدته الميمية، أولها: يا دار ما صنعت بك الأيام ** لم تبق فيك بشاشة تستام الملقب: مؤيد الدين، عميد الملك، فخر الكتاب، الأصبهاني، المنشي، المعروف: بالطغرائي كان غزير الفضل، لطيف الطبع، (3/ 78) فاق أهل عصره بصنعة النظم والنثر، ذكره السمعاني، وأثنى عليه. له ديوان شعر جيد، ومن محاسن شعره: قصيدته المعروفة: بلامية العجم، وكان عملها ببغداد، في سنة 505، يصف حاله، ويشكو زمانه، أولها: أصالة الرأي ضانتني عن الخطل ** وحلية الفضل زانتني لدى العطل وهي مذكورة في تاريخ ابن خلكان بتمامها. وذكره أبو المعالي الخطيري، في كتاب زينة الدهر، وذكر له مقاطيع. وذكره أبو البركات في المستوفي في تاريخ إربل، وقال: إنه ولي الوزارة في مدينة إربل مدة، وذكر العماد الكاتب، في نصرة الفترة وعصرة القطرة - وهو تاريخ الدولة السلجوقية -: إن الطغرائي كان يُنعت بالأستاذ، وكان وزير السلطان مسعود بن محمد السلجوقي بالموصل، قتل سنة ثلاث، أو أربع، أو ثماني عشرة وخمسمائة، وقد جاوز ستين سنة. والطغرائي: نسبة إلى من يكتب الطُّغراء: وهي الطرة التي تكتب في أعلى الكتب فوق البسملة بالقلم الغليظ، ومضمونها: نعوت الملك الذي صدر الكتاب عنه، وهي لفظة أعجمية. قال ابن الأثير في الكامل: كان الأستاذ يميل إلى صنعة الكيمياء، وله فيها تصانيف، قد ضيعت من الناس أموالا لاتحصى، قيل: وتلك التصانيف معتبرة عند أهلها. منها: كتاب مفاتيح الرحمة ومصابيح الحكمة، ومنها: جامع الأسرار وتراكيب النوار، وكتاب حقائق الاستشهادات، بين فيه إثبات صناعة الكيمياء، وردّ على ابن سينا في إبطالها، بمقدمات من كتاب الشفاء، يقال: إنه ألقى مثقالا من الإكسير على ستين ألف، وأخرى على ثلاثمائة ألف، فصار ذهبا. وإنما سمَّى قصيدته: لامية العجم، تشبيها بلامية العرب التي مطلعها: (3/ 79) أقيموا بني أمي صدور مطيكم ** فإني إلى قوم سواكم لأميل واللاميات كثيرة، منها: لامية حسان الهند، مير غلام علي آزاد البلجرامي في ديوانه - ولله درها! - وما أبلغها، وأفصحه؟! وفي ابن خلكان: أبو يحيى، عبد الرحيم بن محمد بن إسماعيل بن نباتة. كان شاعرا مجيدا، إماما في علوم الأدب، ورزق السعادة في خطبه التي وقع الإجماع على أنه ما عمل مثلها، جمع فيها بين حسن السبك، وجودة المعاني، وفيها دلالة على غزارة علمه، وقوة قريحته، وهو من أهل ميافارقين، وكان خطيب حلب، وبها اجتمع بأبي الطيب المتنبي، وقالوا: إنه سمع عليه بعض ديوانه، طاف البلاد، ومدح الملوك، والوزارء، والرؤساء، وله في سيف الدولة بن حمدان غُرُّ القصائد، ونخب المدائح؛ ومعظم شعره جيد، وله ديوان كبير. وكان سيف الدولة كثير الغزوات، فلهذا أكثر الخطيب من خطب الجهاد، ليحض الناس عليه، ويحثهم على نصرته، وكان رجلا صالحا. ذكر الشيخ تاج الدين الكندي - بإسناده المتصل إلى الخطيب - أنه قال: لما عملت خطبة المنام، وخطبت بها يوم الجمعة، رأيت ليلة السبت في منامي، كأني بظاهر ميافارقين عند الجبانة، فقلت: ما هذا الجمع؟ فقال لي قائل: هذا النبي صلى الله عليه وسلم، ومعه أصحابه، فقصدت إليه لأسلم عليه، فلما دنوت منه التفت فرآني، فقال: مرحبا يا خطيب الخطباء، كيف تقول؟ وأومى إلى القبور، قلت: لا يخبرون بما إليه آلوا، ولو قدروا على المقال لقالوا:... - إلى آخر ما ذكره ابن خلكان -، فقال لي: أحسنت، اُدن، فدنوت منه صلى الله عليه وسلم، فأخذ وجهي، وقبَّله، وتفل في فمي، وقال: وفقك الله. قال: فانتبهت من النوم، وبي من السرور ما يجل عن الوصف، فأخبرت أهلي بما رأيت. (3/ 80) قال الكندي: وبقي الخطيب بعد هذا المنام ثلاثة أيام، لا يطعم طعاما ولا يشتهيه، وتوجد في فيه رائحة المسك، ولم يعش إلا مدة يسيرة، ولما استيقظ من منامه، كان على وجهه أثر نور وبهجة، لم يكن قبل ذلك، وقصّ رؤياه على الناس، وقال: سمَّاني رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا؛ وعاش ثمانية عشر يوما، لا يستطعم فيها طعاما ولا شرابا، من أجل تلك التفلة وبركتها. قال الوزير أبو القاسم بن المغربي: رأيت ابن نباتة في المنام بعد موته، فقلت له: ما فعل الله بك؟ فقال: دفع لي ورقة فيها سطران بالأحمر، وهما: قد كان أمن لك من قبل ذا ** واليوم أضحى لك أمنان والصفح لا يحسن عن محسن ** وإنما يحسن عن جاني ولد سنة 335، وتوفي سنة 374، ببغداد. قال: كنت يوما قائلا في دهليزي، فدق علي الباب فقلت: من؟ فقال: رجل من أهل الشرق، فقلت: ما حاجتك؟ فقال: أنت القائل: ومن لم يمت بالسيف مات بعلة ** تنوعت الأسباب والداء واحد فقلت: نعم، فقال: أرويه عنك؟ قلت: نعم، فما كان آخر النهار دق علي الباب، فقلت: من؟ فقال: رجل من أهل تاهرت، من الغرب. فقلت: ما حاجتك؟ فقال: أنت القائل: ومن لم يمت... الخ...؟ فقلت: نعم، فقال: أرويه عنك؟ فقلت: نعم، وعجبت كيف وصل شعري إلى الشرق والغرب؟! قلت: وعدم القدرة على الشعر ونظمه، ثلمة في كون العالم من الطبقة الأولى لأهل العلم، كما حرره وقدّره شيخنا وبركتنا: محمد بن علي الشوكاني - رحمه الله تعالى رحمة واسعة - وتقدم. (3/ 81) ابن المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد الهاشمي، أخذ الأدب عن المبرد، وثعلب، وغيرهما؛ كان أديبا، بليغا، شاعرا مطبوعا، مقتدرا على الشعر، قريب المأخذ، سهل اللفظ، جيد القريحة، حسن الإبداع للمعاني، مخالطا للعلماء والأدباء، معدودا في جملتهم، شديد السمرة، مسنون الوجه، يخضب بالسواد، رخيّ البال في عيش رغيد، إلى أن خُلع المقتدر، وبويع ابن المعتز، ولقبوه: المرتضي بالله. وقيل: المنصف بالله. وقيل: الغالب بالله. وقيل: الراضي بالله. أقام يوما وليلة، ثم أعيد المقتدر، واختفى ابن المعتز، ثم أخذه المقتدر، وقتله يوم الخميس، ثاني شهر ربيع الآخر، سنة ست وتسعين ومائتين، والقصة مشهورة، وفيها طول، وهذه خلاصتها. وله من التصانيف: كتاب الزهر والرياض، وكتاب البديع، وكتاب مكاتبات الإخوان، وكتاب الجوارح والصيد، وكتاب السرقات، وكتاب أشعار الملوك، وكتاب الآداب، وكتاب حُلى الأخبار، وكتاب طبقات الشعراء، وكتاب الجامع في الغناء، وغير ذلك، وله أشعار رائقة، وتشبيهات بديعة فائقة، وله الأبيات المشهورة: سقى المطيرة ذات الظل والشجر ** ودير عبدون هطال من المطر فطالما نبهتني بالصبوح لها ** في غرة الفجر والعصفور لم يطر أصوات رهبان دير في صلاتهم * سود المدارع نعارين في السحر مزمزمين على الأوساط قد جعلوا ** على الرؤوس أكاليلا من الشعر كم فيهم من مليح الوجه مكتحل ** بالسحر يطبق جفنيه على حور لاحظته بالهوى حتى استقاد له ** طوعا وأسلفني الميعاد بالنظر وجاءني في قميص الليل مستترا ** يستعجل الخطو أذيالي على الأثر (3/ 82) ولاح ضوء هلال كاد يفضحنا ** مثل القلامة قد قدت من الظفر وكان ما كان مما لست أذكره ** فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر الحموي الأصل، المصري المولد، والدار، والوفاة، شيخ الصوفية، وصوفي الشعراء، له ديوان شعر لطيف، وأسلوبه فيه رائق طريف، ينحو ينحى طريقة الفقراء، وله قصيدة مقدار ستمائة بيت، مشتملة على اصطلاحهم ومنهجهم. قال ابن خلكان: سمعت أنه كان رجلا صالحا، كثير الخير، على قدم التجرد، ثلاثة بمكة زمانا، وكان حسن الصحبة، محمود العشرة. أخبرني بعض أصحابه: أنه ترنم يوما، وهو في خلوة، ببيت الحريري - صاحب المقامات -: من ذا الذي ما ساء قط ** ومن له الحسنى فقط فسمع قائلا يقول، ولم ير شخصه: محمد الهادي الذي ** عليه جبريل هبط ولد في الرابع من ذي القعدة، سنة 576، بالقاهرة؛ وتوفي بها يوم الثلاثاء، في الثاني من جمادى الأولى، سنة 632، ودفن من الغد بسفح المقطم. والفارض: هو الذي يكتب الفروض للنساء على الرجال. انتهى. قلت: وهو أيضا ممن اختلف في إسلامه وكفره أهل العلم، بناء على مقالاته التي تقضي بالإلحاد والوحدة، وهو تلميذ الشيخ محي الدين بن عربي الطائف - عفا الله عنهما - وله دوبيت، ومواليا، وألغاز، وقد طبع ديوانه مع الشرح لهذا العهد بمصر، وهو موجود عندي، وما ألطف قوله! من جملة قصيدة طويلة: أهلا بمن لم أكن أهلا بموقعه ** قول المبشر بعد اليأس بالفرج لك البشارة فاخلع ما عليك فقد ** ذكرت ثم على ما فيك من عوج (3/ 83) وله من قصيدة أخرى: لم أخل من حسد عليك فلا تضع ** سهري بتشييع الخيال المرجف وأسأل نجوم الليل زار الكرى ** جفني وكيف يزور من لم يعرف؟ ومنها: على تفنن واصفيه بحسنه ** يفنى الزمان وفيه ما لم يُوصف أبو الفضل. من فضلاء عصره، وأحسنهم نظما، ونثرا، وخطا، وأكبرهم مروءة، كان قد اتصل بخدمة السلطان الملك الصالح نجم الدين أبي الفتح أيوب بالديار المصرية، وتوجه في خدمته إلى البلاد الشرقية، ثم عاد معه إلى القاهرة. ولد في سنة 581 بمكة - حرسها الله تعالى -، وتوفي عصر يوم الأحد، سنة 656. قال ابن خلكان: اجتمعت به، ورأيته فوق ما سمعت عنه، عن مكارم الأخلاق، وكثرة الرياضة، ودماثة السجايا، وكان متمكنا من صاحبه، كبير القدر عنده، لا يطلع على سره الخفي غيره، ومع هذا كله فإنه كان لا يتوسط عنده إلا بالخير، ونفع خلقا كثيرا، بحسن وساطته، وجميل سفارته؛ وأنشدني كثيرا من شعره، منه: يا روضة الحسن صلي فما عليك ضير ** فهل رأيت روضة لبس بها زهير وشعره كله لطيف، وهو كما يقال: السهل الممتنع؛ وأجازني رواية ديوانه. انتهى ملخصا. الشاعر المشهور، أصله من الكوفة، ويقال: من قرقيسا، وأقام ببغداد، وقيل: دعبل: لقب، واسمه: الحسن، أو عبد الرحمن، أو محمد. كان أطروشا، وفي قفاه سلعة، وكان شاعرا مجيدا، إلا أنه كان بذيء اللسان، مولعا بالهجو، والحط من أقدار الناس، وهجا الخلفاء فمن دونهم، منهم: المأمون، (3/ 84) وطال عمره، وشاع ذكره، وكان يقول: لي خمسون سنة أحمل خشبتي على كتفي، أدور على من يصلبني عليها، فما أجد من يفعل ذلك. ومن كلامه: من فضل الشعر أنه: لم يكذب أحد قط، إلا اجتواه الناس، إلا الشاعر، فإنه كلما زاد كذبه زاد المدح له، ثم لا يقنع له بذلك، حتى يقال له: أحسنت والله، فلا يشهد له شهادة زور، إلا ومعها يمين بالله تعالى. ولد سنة 148، وتوفي سنة 246، ودِعْبِل: بكسر الدال: اسم الناقة الشارف. ومدح دعبل علي بن موسى الرضا بقصيدة، أولها: مدارس آيات خلت عن تلاوة ** ومهبط وحي مقفر العرصات فأمر له بجائزة سنية، فقال: ما قلتها إلا لوجه الله، وسأل منه قميصا يباشر جسده الشريف، ليجعله في كفنه، لعل الله يبرد به مضجعه، فأعطاه ذلك. ولما سمعه فضل بن سهل، حمل إلى دعبل ثلاثين ألف درهم، وحمل إليه المأمون مالا جزيلا - غفر الله له ذنوبه.- أبو علي، المحسن بن أبي القاسم علي بن محمد، صاحب كتاب: الفرج بعد الشدة، وله ديوان شعر جيد، أكبر من ديوان أبيه، وكتاب نشوان المحاضرة، وكتاب المستجاد من فعلات الأجواد، نزل بغداد، وأقام بها، وحدّث، إلى حين وفاته، وكان سماعه صحيحا، وكان أديبا، شاعرا، إخباريا، تقلد القضاء والأعمال من قِبَل الإمام المطيع لله. ولد سنة 327، بالبصرة، وتوفي ببغداد، سنة 384، ذكره وأباه الثعالبي، ثم قال في حقه: هلال ذلك القمر، وغصن هاتيك الشجر، والشاهد العدل بمجد أبيه وفضله، والفرع المشيد لأصله، والنائب عنه في حياته، والقائم مقامه بعد وفاته؛ ومن المنسوب إليه: قل للمليحة في الخمار المذهب: ** أفسدت نسك أخي التقي المترهب (3/ 85) نور الخمار ونور خدك تحته ** عجبا لوجهك! كيف لم يلتهب؟ وجمعت بين المذهبين فلم يكن ** للحسن عن ذهبيهما من مذهب وإذا أتت عين لتسرق نظرة ** قال الشعاع لها: اذهبي لا تذهبي قال ابن خلكان: وما ألطف قوله: اذهبي لا تذهبي! وأما ولده: أبو القاسم علي بن المحسن، فكان أيضا أديبا فاضلا، له شعر، صحب أبا العلاء المعري. وأخذ عنه كثيرا، وهم أهل بيت كلهم: فضلاء، أدباء، ظرفاء. ولد في منتصف شعبان، سنة خمس وستين وثلاثمائة، بالبصرة، وتوفي مستهل المحرم، يوم الأحد، سنة سبع وأربعين وأربعمائة. انتهى. إبراهيم بن العباس بن محمد الصولي كان أحد الشعراء المجيدين، وله ديوان شعر، كله نخب، وهو صغير، ومن رقيق شعره قوله: دنت بأناس عن تناء زيارة ** وشط بليلى عن دنو مزارها وإن مقيمات بمنعرج اللوى ** لأقرب من ليلى وهاتيك دارها وله نثر بديع، فمن ذلك ما كتبه عن أمير المؤمنين إلى بعض البغاة الخارجين، يهددهم ويتوعدهم، وهو: أما بعد، فإن لأمير المؤمنين أناة، فإن لم تغن عقَّب بعدها وعيدا، فإن لم يغن أغنت عزائمه، والسلام. وهذا الكلام مع وجازته في غاية الإبداع، فإنه ينشأ منه بيت شعر له، أوله: أناة فإن لم تغن عقب بعدها**وعيدا فإن لم يغن أغنت عزائمه وله كل مقطوع بديع، توفي بسر من رأى، في سنة 243. أبو إسحاق، إبراهيم بن علي، المعروف: بالحصري، القيرواني الشاعر المشهور، (3/ 86) له ديوان شعر، وكتاب زهر الآداب وثمر الألباب، جمع فيه كل غريبة، وكتاب المصون في سر الهوى المكنون، ومن شعره: إني أحبك حبا ليس يبلغه ** فهم ولا ينتهي وصفي إلى صفته أقصى نهاية علمي فيه معرفتي ** بالعجز مني عن إدراك معرفته توفي في سنة 213، والقَيروان: بفتح القاف: مدينة بأفريقية، بناها عقبة بن عامر الصحابي - رضي الله عنه - وهو في اللغة: القافلة، وهو: فارسي، مُعرَّبُ: كاروان. وقال ابن القطاع اللغوي: بالفتح: الجيش، وبضمها: القافلة، يقال: إن قافلة نزلت بذلك المكان، ثم بنيت المدينة في موضعها، فسميت بها، وهو: اسم للجيش أيضا. الشاعر، له ديوان شعر، أحسن فيه كل الإحسان، ذكره ابن بسام في الذخيرة، وأثنى عليه، وقال: كان مقيما بشرق الأندلس، ولم يتعرض لاستماحة ملوك طوائفها، مع تهافتهم على أهل الأدب؛ ومن شعره في عشية أنس، وقد أبدع فيه: وعشي أنس أضجعتني نشوة ** في تمهد مضجعي وتدمث خلعت علي به الأراكة ظلها ** والغصن يصغي والحمام يحدث والشمس تجنح للغروب مريضة ** والرعي يرقى والغمامة تنفث ولد في سنة 450 بها، سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة. الغزي، شاعر محسن، ذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق، له ديوان شعر اختاره لنفسه، وذكر في خطبته: أنه ألف (3/ 87) بيت، وذكره العماد الكاتب في الخريدة، وأثنى عليه، وقال: إنه جاب البلاد وتغرّب، وأكثر النقل والحركات، وتغلغل في أقطار خراسان وكرمان، وبقي الناس، ومن شعره: من آلة الدست لم يعط الوزير سوى ** تحريك لحيته في حال إيماء إن الوزير ولا أزر يشد به ** مثل العروض له بحر بلا ماء وله: إشارة منك تغنيني وأحسن ما ** ردّاك لام غداة البين بالعنم حتى إذا طاح عنها المرط من دهش ** وانحل بالضم سلك العقد في الظلم تبسمت فأضاء الليل فالتقطت ** حبات منتثر في ضوء منتظم وهو ما تستملحه الأدباء، وتستظرفه الظرفاء. ولد بغزة، سنة 441، وتوفي سنة 524، وكان يقول، لما حضرته الوفاة: أرجو أن يغفر الله لي ثلاثة أشياء: كوني من بلد الإمام الشافعي، وأني شيخ كبير، وأني غريب - رحمه الله، وحقق رجاه -. وإنما قال: إني غريب: لأنه مات بين مرو وبلخ، من بلاد خراسان، ونقل إلى بلخ، ودفن بها. لم أقف له على ترجمة، وذكره السيد أزاد في كتابه: الخزانة العامرة، وقال: طالعت ديوانه الذي صدر من إيران إلى هند، وتاريخ كتابته: سنة ست وسبعين وستمائة، وهو في غاية المتانة، وعليه ديباجة حررها ولده بالعربية، في نهاية البلاغة والفطانة، وهي: اللهم يا واسم اليوادي، بأطواق الأيادي، وناقع غلة الصوادي، بالروائح والغوادي، ودافع معرة العوادي، من الحواضر والبوادي، صلِّ على نبينا الهادي، محمد خير من حضر النوادي، وعلى آله وصحبه بدور الظلم والدادي، ما غنى الحمام الشادي، وارتجز بأذناب القلائص الحادي، وأنلني منية (3/ 88) فؤادي، يوم ينادي المنادي... الخ، ومن أشعار اللبناني، ما حكاها أزاد في كتابه المذكور، وهو تشبيب في قصيدة، منها: بالله يا حادي الأنضاء ما الخبر؟ ** أعرَّس الركب بالبطحاء، أم عبروا؟ إلا نشدت فؤادي عند كاظمة ** فإنه ضل حيث الضال والسمر أما مررت بوادي الأثل من إضم؟ ** أما دعتك بها الآرام والعُفَر؟ خريدة ما جننت بالحسن وحبتها ** إلا ومقلتها بالسحر تعتذر طالت نواها كما طالت غدائرها ** وفي خطاها كما في وصلها قِصَرُ وإذا انتهيت إلى هذا المقام، فلعلك تسأم من هذا النوع من الكلام، مع أن إحصاء شعراء الإسلام أمر تنبو عنه الأوهام، انظر في قلائد العقيان، لأبي الفتح ابن خاقان، وريحانة الألباء للخفاجي، ونفحة الريحانة، وغير ذلك، مما ألف في هذا الباب، وهو أكثر من أن يحصى، وكذلك الدواوين في ا لشعر مما لا يُستقصى، يتضح لك حقيقة المرام. وأما الشعراء القدماء: فأشعرهم، نذكر أسماءهم هاهنا: منهم: امرؤ القيس الكندي، وهو الذي فتح لهم أفانين الشعر. ومنهم: النابغة الذبياني، واسمه: زياد بن عمر، وقد قدمه بعض الرواة على امرئ القيس، لرقة شعره. ومنهم: زهير بن أبي سُلْمى - بضم السين - المازني، هو أشدهم أمرا، وأمدحهم وأجرؤهم على الكلام. وابنه: كعب، بلغه الإسلام فأسلم، ومدح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعدما هجاه، وتاب بعد ما عصاه، وأنشد عنده قصيدته المشهورة: (بانت سعاد)، فعفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم، بعد أن أهدر دمه، وأجازه ببردة له صلى الله عليه وسلم، وأسلم فحسن إسلامه، (3/ 89) ذكره في مدينة العلوم، وتكلم أهل الحديث على صحة هذه الرواية، - والله أعلم -. ومنهم: الأعشى، واسمه: ميمون بن قيس بن ثعلبة، كان لا يمدح أحدا إلا رفع منه، ولا يهجو أحدا إلا وضع عنه. ومنهم: طرفة بن العبد بن سفيان، فضّله بعض الشعراء على غيره، وزعم لبيد: أنه أشعر الناس. ومنهم: أوس بن حجر، من بني أسد، أدرك زهيرا و النابغة، وكان شاعر تميم. ومنهم: لبيد بن ربيعة، من بني عامر بن صعصعة، لم يدرك أحد من هؤلاء الإسلام غيره، لطول عمره، وكان أتقاهم تكلفا، وأقلهم سقطا. ومنهم: عدي بن زيد، من بني امرئ القيس، كان الفضل بن محمد يقدمه عليهم، بحسن استعاراته، وحلاوة عباراته. ومنهم: عبيد بن الأبرص، هو أقدمهم سنا، وقد جعلوه امرؤ القيس. ومنهم: بشر الأسدي، وهو عاشرهم، وأهل الحجاز يقدمونه عليهم، ويرون أنه أشعرهم، وأسدهم سياقا للحديث، - والله أعلم بالصواب -.
|