الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: إظهار الحق (نسخة منقحة)
.(الرابع): قد عرفت في الشاهد الأول من المقصد الثالث أن يوخابذ زوجة عمران كانت عمته، وقد حرف المترجمون للترجمة العربية المطبوعة سنة 1635 وسنة 1648 تحريفًا قصديًّا لإخفاء العيب فكان أبو موسى تزوّج عمته، وهذا النكاح حرام في الشريعة الموسوية، الآية الثانية عشرة من الباب الثامن عشر من سفر الأخبار هكذا:(لا تكشف عورة عمتك لأنها قرابة أبيك) وكذا في الآية التاسعة عشرة من الباب العشرين من السفر المذكور، فلو لم يكن هذا النكاح جائزًا قبل شريعة موسى لزم أن يكون موسى وهارون ومريم أختهما من أولاد الزنا والعياذ باللّه، ولزم أن لا يدخلوا جماعة الرب إلى عشرة أحقاب كما هو مصرح به في الآية الثالثة من الباب الثالث والعشرين من سفر الاستثناء، ولو كانوا هم قابلين للإخراج عن جماعة الرب فمن يكون صالحًا لدخولها..(الخامس): في الباب الحادي والثلاثين من كتاب أرمياء هكذا: 31 (ها ستأتي أيام- يقول الرب- وأعاهد بيت إسرائيل وبيت يهودا عهدًا جديدًا) 32 (ليس مثل العهد الذي عاهدت آباءهم في اليوم الذي أخذت بأيديهم لأخرجهم من أرض مصر عهدًا نقضوه وأنا تسلطت عليهم بقول الرب) والمراد من العهد الجديد الشريعة الجديدة، فيفهم أن هذه الشريعة الجديدة تكون ناسخة للشريعة الموسوية، وادعى مقدَّسهم بولس في الباب الثامن من رسالته إلى العبرانيين أن هذه الشريعة شريعة عيسى، فعلى اعترافه شريعة عيسى عليه السلام ناسخة لشريعة موسى عليه السلام، وهذه الأمثلة الخمسة لإلزام اليهود والمسيحيين جميعًا ولإلزام المسيحيين أمثلة أخرى..(السادس): يجوز في الشريعة الموسوية أن يطلق الرجل امرأته بكل علة وأن يتزوج رجل آخر بتلك المطلقة بعد ما خرجت من بيت الأول كما هو مصرح به في الباب الرابع والعشرين من كتاب الاستثناء، ولا يجوز الطلاق في الشريعة العيسوية إلا بعلة الزنا، هكذا لا يجوز لرجل آخر نكاح المطلقة، بل هو بمنزلة الزنا كما صرح به في الباب الخامس والتاسع عشر من إنجيل متى، ولما اعترض الفريسيون على عيسى عليه السلام في هذه المسألة قال في جوابهم (إن موسى ما جَوَّز لكم طلاق نسائكم إلا لقساوة قلوبكم وأما من قبل فإنه لم يكن كذلك، وأنا أقول لكم إن كل من طلق زوجته لغير علة الزنا وتزوّج بأخرى فقد زنى ومن يتزوج بتلك المطلقة يزني) فعلم من جوابه أنه ثبت النسخ في هذا الحكم مرتين مرة في الشريعة الموسوية ومرة في شريعته وأنه قد ينزل الحكم تارة موافقًا لحال المكلفين وإن لم يكن حسنًا في نفس الأمر..(السابع): كان الحيوانات الكثيرة محرمة في الشريعة الموسوية ونسخت حرمتها في الشريعة العيسوية وثبتت الإباحة العامة بفتوى بولس، الآية الرابعة عشرة من الباب الرابع عشر من رسالة بولس إلى أهل رومية هكذا: (فإني أعلم وأعتقد بالرب عيسى أن لا شيء نجس العين بل إن كل شيء نجس لمن يحسبه نجسًا) والآية الخامسة عشرة من الباب الأول من رسالته إلى طيطوس هكذا: (فإن جميع الأشياء طاهرة للطاهرين وليس شئ بطاهر للنجسين والمنافقين لأنهم كلهم نجسون حتى عقلهم وضميرهم).وهاتان الكليتان: إن كل شيء نجس لمن يحسبه نجسًا، وجميع الأشياء طاهرة للطاهرين عجيبتان في الظاهر، لعل بني إسرائيل لم يكونوا طاهرين فلم تحصل لهم هذه الإباحة العامة، ولما كان المسيحيون طاهرين حصل لهم الإباحة العامة وصار كل شيء طاهرًا لهم، وكان مقدسهم جاهدًا في إشاعة حكم الإباحة العامة ولذلك كتب إلى تيموتاس في الباب الرابع من رسالته الأولى ((4) لأن كل ما خلق اللّه حسن ولا يجوز أن يرفض منه شيء إذا أكلناه ونحن شاكرون (5) لأنه يتقدس بكلمة اللّه وبالتضرع (6) فإن ذكرت الأخوة بهذا فقد صرت للمسيح خادمًا جيدًا متربيًا في كلام الإيمان والتعليم الصحيح الذي اتبعت أثره)..(الثامن): أحكام الأعياد التي فصلت في الباب الثالث والعشرين من كتاب الأخبار كانت واجبة أبدية في الشريعة الموسوية ووقعت في حقها في الآية 14 و21 و31 و41 من الباب المذكور ألفاظ تدل على كونها أبدية..(التاسع): كان تعظيم السبت حكمًا أبديًّا في الشريعة الموسوية، وما كان لأحد أن يعمل فيه أدنى عمل، وكان من عمل فيه عملًا ومن لم يحافظه واجبي القتل، وقد تكرر بيان هذا الحكم والتأكيد في كتب العهد العتيق في مواضع كثيرة مثلًا في الآية الثالثة من الباب الثاني من سفر التكوين، وفي الباب العشرين من سفر الخروج من الآية الثامنة إلى الحادية عشرة، وفي الآية الثانية عشرة من الباب الثالث والعشرين من سفر الخروج، وفي الآية الحادية والعشرين من الباب الرابع والثلاثين من سفر الخروج، وفي الآية الثالثة من الباب التاسع عشر وكذا من الباب الثالث والعشرين من سفر الأخبار، وفي الباب الخامس من كتاب الاستثناء من الآية الثانية عشرة إلى الخامسة عشرة، وفي الباب السابع عشر من كتاب أرميا، وفي الباب السادس والخمسين والثامن والخمسين من كتاب أشعياء، وفي الباب التاسع من كتاب نحميا، وفي الباب العشرين من كتاب حزقيال ووقع في الباب الحادي والثلاثين من سفر الخروج هكذا: (13 كلِّم بني إسرائيل وقل لهم أن يحفظوا يومي يوم السبت من أجل أنه علامة بيني وبينكم في أجيالكم لتعلموا أنني أنا الرب الذي أطهركم 14 فاحفظوا يومي يوم السبت فإنه طهر لكم، ومن لا يحفظه فليقتل قتلًا، من عمل فيه فتهلك تلك النفس من شعبها 15 اعملوا عملكم ستة أيام واليوم السابع هو يوم سبت راحة طهر للرب، وكل من عمل عملًا في هذا اليوم فليقتل 16 وليحفظ بنو إسرائيل السبت وليتخذوه عيدًا بأجيالهم ميثاقًا إلى الدهر 17 بيني وبين بني إسرائيل علامة إلى الأبد لأن الرب خلق السماء والأرض في ستة أيام وفي اليوم السابع استراح من عمله) ووقع في الباب الخامس والثلاثين من سفر الخروج هكذا: (2) (ستة أيام تعملون عملكم واليوم السابع يكون لكم مقدسًا سبت وراحة الرب مَنْ عَمِل فيه عملًا فليقتل) (3) (لا تشعلوا النار في جميع مساكنكم يوم السبت) ووقع في الباب الخامس عشر من سفر العدد هكذا: (32) (ولما كان بنو إسرائيل في البرية وجدوا رجلًا يلقط حطبًا يوم السبت) (33) (فأقبلوا به إلى موسى وهارون والجماعة كلها) (34) (فألقوه في السجن لأنهم لم يكونوا يعرفون ما يجب أن يفعلوا به) (35) (فقال الرب لموسى فليقتل هذا الإنسان ويرجمه كل الشعب بالحجارة خارجًا من المحلة) (36) (فأخرجوه ورجموه بالحجارة ومات كما أمر الرب). وكان اليهود المعاصرون للمسيح عليه السلام يؤذونه ويريدون قتله لأجل عدم تعظيم السبت، وكان هذا أيضًا من أدلة إنكارهم الآية السادسة عشرة من الباب الخامس من إنجيل يوحنا هكذا: (ومن أجل ذلك طرد اليهود عيسى وطلبوا قتله لأنه كان قد فعل تلك الأشياء يوم السبت) الآية السادسة عشرة من الباب التاسع من إنجيل يوحنا هكذا: (فقال بعض الفريسين إن هذا الرجل ليس من عند اللّه لأنه لا يحافظ على السبت) الخ.وإذا علمت هذا أقول: إن مقدسهم بولس نسخ هذه الأحكام التي مر ذكرها في المثال السابع والثامن والتاسع، وبين أن هذه الأشياء كلها كانت إضلالًا، في الباب الثامن من رسالته إلى أهل قولا سايس 16 (فلا يدينكم أحد بالمأكول أو المشروب أو بالنظر إلى الأعياد أو الأهلة أو السبوت 17 فإن هذه الأشياء ظلال للأمور المزمعة بالإيتان وأما الجسد فإنه للمسيح) في تفسير دوالي ورجرد مينت ذيل شرح الآية السادسة عشرة هكذا: قال بركت وداكتروت بي (كانت أي الأعياد في اليهود على ثلاثة أقسام في كل سنة سنة وفي كل شهر شهر وفي كل أسبوع أسبوع فنسخت هذه كلها بل يوم السبت أيضًا وأقيم سبت المسيحيين مقامه) وقال بِشُبْ هارسلي ذيل شرح الآية المذكورة: (زال سبت كنيسة اليهود وما مشى المسيحيون في عمل سبتهم على رسوم طفولية الفريسين).وفي تفسير هنري واسكات: (إذ نسخ عيسى شريعة الرسومات، ليس لأحد أن يلزم الأقوال الأجنبية بسبب عدم لحاظها، قال ياسوبر وليا: فإنه لو كانت محافظة يوم السبت واجبة على جميع الناس، وعلى جميع أقوام الدنيا لما أمكن نسخها قط، كما نسخت الآن حقيقة، ولكان يلزم على المسيحيين أن يحافظوه طبقة بعد طبقة كما فعلوا في الابتداء لأجل تعظيم اليهود ورضاهم) وما ادعى مقدسهم بولس من كون الأشياء المذكورة إضلالًا لا يناسب عبارة التوراة لأن اللّه بين علة حرمة الحيوانات بأنها (نجسة فلا بد أن تكونوا مقدسين لأني قدوس) كما هو مصرح به في الباب الحادي عشر من سِفْر الأخبار، وبيّن عِلة عيد الفطير (بأني أخرج جيوشكم من أرض مصر فاحفظوا هذا اليوم إلى أجيالكم سُنَّة إلى الدهر) كما هو مصرح به في الباب الثاني عشر من سفر الخروج، وبين علة عيد الخيام هكذا: (لتعلم أجيالكم أني أجلست بني إسرائيل في الخيام إذ أخرجتهم من أرض مصر) كما هو مصرح به في الباب الثالث والعشرين من سفر الأخبار، وبين في مواضع متعددة علة تعظيم السبت: (بأن الرب خلق السماء والأرض في ستة أيام واستراح في اليوم السابع من عمله)..(العاشر): حكم الختان كان أبديًّا في شريعة إبراهيم عليه السلام كما هو مصرح به في الباب السابع عشر من سفر التكوين، ولذلك بقي هذا الحكم في أولاد إسماعيل وإسحاق عليهما السلام، وبقي في شريعة موسى عليه السلام أيضًا، الآية الثالثة من الباب الثاني عشر من سفر الأخبار هكذا: (وفي اليوم الثامن يختن الصبي) وختن عيسى عليه السلام أيضًا كما هو مصرح به في الآية الحادية والعشرين من الباب الثاني من إنجيل لوقا، وفي المسيحيين إلى هذا الحين صلاة معينة يؤدونها في يوم ختان عيسى عليه السلام تذكرة لهذا اليوم، وكان هذا الحكم باقيًا إلى عروج عيسى عليه السلام، وما نسخ بل نسخه الحواريون في عهدهم كما هو مشروح في الباب الخامس عشر من أعمال الحواريين، وستعرف في المثال الثالث عشر أيضًا، ويشدد مقدسهم بولس في نسخ هذا الحكم تشديدًا بليغًا في الباب الخامس من رسالته إلى أهل غلاطية هكذا: (وها أنا بولس أقول لكم إنكم إن اختتنتم لن ينفعكم المسيح بشيء 3 لأني أشهد أن كل مختون ملزم بإقامة جميع أعمال الناموس 4 إنكم إن تزكيتم بالناموس فلا فائدة لكم من المسيح وسقطتم عن نيل النعمة 6 فإن الختانة لا منفعة لها في المسيح ولا للقلفة بل الإيمان الذي يعمل بالمحبة) والآية الخامسة عشرة من الباب السادس من الرسالة المذكورة هكذا: (لا منفعة للختان في المسيح عيسى ولا للقلفة بل الخلق الجديد)..(الحادي عشر): أحكام الذبائح كانت كثيرة وأبدية في شريعة موسى وقد نسخت كلها في الشريعة العيسوية..(الثاني عشر): الأحكام الكثيرة المختصة بآل هارون من الكهانة واللباس وقت الحضور للخدمة وغيرها كانت أبدية وقد نسخت كلها في الشريعة العيسوية..(الثالث عشر): نسخ الحواريون بعد المشاورة التامة جميع الأحكام العملية للتوراة إلا أربعة: ذبيحة الصنم، والدم، والمخنوق، والزنا فأبقَوْا حرمتها وأرسلوا كتابًا إلى الكنائس، وهو منقول في الباب الخامس عشر من أعمال الحواريين وبعض آياته هكذا: 24 (ثم إنا قد سمعنا أن نفرًا من الذين خرجوا من عندنا يضطربونكم بكلامهم ويزعجون أنفسكم ويقولون إنه يجب عليكم أن تختتنوا وتحافظوا على الناموس، ونحن لم نأمرهم بذلك 28 لأنه قد حسن للروح القدس ولنا أن لا نحملكم غير هذه الأشياء الضرورية 29 وهي أن تجتنبوا من قرابين الأوثان والدم والمخنوق والزنا التي إن تجنبتم عنها فقد أحسنتم والسلام) وإنما أبقوا حرمة هذه الأربعة لئلا يتنفر اليهود الذين دخلوا في الملة المسيحية عن قريب، وكانوا يحبون أحكام التوراة ورسومها تنفرًا تامًّا، ثم لما رأى مقدسهم بولس بعد هذا الزمان أن هذه الرعاية ليست بضرورية نسخ حرمة الثلاثة الأولى بفتوى الإباحة العامة التي مر نقلها في المثال السابع، وعليه اتفاق جمهور البروتستنت، فما بقي من أحكام التوراة العملية إلا الزنا ولما لم يكن فيه حد في الشريعة العيسوية، فهو منسوخ من هذا الوجه أيضًا فقد حصل الفراغ في هذه الشريعة من نسخ جميع الأحكام العملية التي كانت في الشريعة الموسوية أبدية كانت أو غير أبدية.
|