الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي
أحدهما قال أبو إسحاق: يفتقر إلى ذلك؛ لأنه قد يقع نفلًا في حق الصبي. والثاني: قال أبو علي بن أبي هريرة: لا يفتقر إلى ذلك؛ لأن صوم شهر رمضان لا يكون في حق البالغ إلا فرضًا. هذا مذهبنا. وقال أبو حنيفة: (لا يفتقر إلى التعيين). فإن كان حاضرًا في رمضان، فنوى أن يصوم غدًا عن نذر، أو كفارة، أو نافلة.. جاز عن رمضان، وإن نوى أن يصوم مطلقا.. أجزأه عن شهر رمضان أيضا، وإن كان مسافرا، فإن نوى الصوم عن النافلة، أو مطلقا.. أجزأه عن شهر رمضان، وإن نوى أن يصوم عن نذر، أو كفارة.. أجزأه عنهما، وكان عليه أن يقضي عن شهر رمضان. دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لامرئ ما نوى». وهذا لم ينو، ولأن الصوم عبادة يفتقر قضاؤها إلى تعيين النية، فافتقر أداؤها إلى تعيينها، كالصلاة، وعكسه الحج، فإنه لا يفتقر أداؤه ولا قضاؤه إلى تعيين النية.
أحدها - وهو قول القاضي أبي الطيب -: أنه يصح؛ لأن الأمور بمشيئة الله تعالى. والثاني - وهو قول الصيمري -: أنه لا يصح؛ لأن قوله: إن شاء الله، يبطل حكم ما اتصل به، كما إذا علق البيع والنكاح والطلاق على مشيئة الله تعالى. والثالث - وهو قول ابن الصباغ -: إن قصد بذلك الشك في فعله.. لم يصح، وإن قصد أن فعل ذلك موقوف على مشيئة الله، وتمكينه، وتوفيقه.. صح صومه؛ لأن ذلك لا يرفع النية.
ولو نوى أن يصوم غدا يظنه يوم الاثنين، فكان يوم الثلاثاء.. قال القاضي أبو الطيب: أجزأه. قال ابن الصباغ: ولا فرق عندي في هذه المسائل، وتعيينه العدد، كتعيينه السنة، وينبغي أن يجزئه في الكل.
وحكى الشاشي فيها وجها آخر: أنه لا يصح.
وإن قال: إن كان غدا من شهر رمضان.. فأنا صائم عن رمضان، وإن لم يكن من شهر رمضان.. فأنا صائم عن تطوع، فكان من شهر رمضان لم يصح، لأن الأصل أنه من شعبان. وإن قال ليلة الثلاثين من شهر رمضان: إن كان غدا من رمضان.. فأنا صائم عن شهر رمضان، وإن لم يكن من شهر رمضان.. فأنا مفطر، فكان من شهر رمضان صح صومه، لأن الأصل أنه من شهر رمضان. وإن قال: إن كان غدا من شهر رمضان.. فأنا صائم عن رمضان أو مفطر، فإن كان من رمضان.. لم يصح صومه، لأنه لم يخلص النية للصوم. وإن كان عليه قضاء يوم من شهر رمضان، فقال في بعض الأيام: أصوم غدا عن قضاء شهر رمضان أو تطوعا.. لم يصح عن القضاء، ووقع تطوعا. وبه قال محمد بن الحسن. وقال أبو يوسف: يقع عن القضاء، لأن التطوع لا يفتقر إلى تعيين النية. دليلنا: أن زمان القضاء يصلح للتطوع، فإذا سقطت نية الفرض بالتشريك.. بقيت نية التطوع، فوقع.
أحدهما: لا يبطل؛ لأنها عبادة تجب الكفارة بجنسها، فلا تبطل بنية الخروج منها، كالحج، وفيه احتراز من الصلاة. والثاني: يبطل، وهو الأظهر؛ لأنها عبادة تفتقر إلى تعيين النية، فتبطل منه بنية الخروج منها، كالصلاة، وفيه احتراز من الحج، ولأن الحج لا يخرج منه بما يفسده، والصوم يخرج منه بما يفسده، ومعنى ذلك: أنه إذا أكل في الصوم عامدا، ثم جامع فيه لم تجب عليه الكفارة. وكذلك: إذا جامع في الصوم عامدا، ثم جامع فيه ثانيا.. لم يتعلق بالثاني كفارة، والحج إذا جامع فيه وفسد، ثم قتل فيه صيدا، أو جامع ثانيا.. وجبت عليه الكفارة. أما المضي في فاسدهما: فإنه يجب عليه في الحج والصوم. فإذا قلنا: بهذا: فنوى في خلال نهار صوم النذر نقله إلى صوم الكفارة.. لم ينتقل إلى الكفارة، ويبطل صوم النذر، وهل ينتقل إلى التطوع؟ فيه قولان، حكاهما المسعودي [في الإبانة ق\157] بناء على ما لو نوى في حال الصلاة أنه نقلها لصلاة أخرى.. فلا تنتقل إليها، وهل تبطل، أم تبقى نافلة؟ قولان. قال أصحابنا البغداديون: يبطل الصوم والصلاة، ولا يقعان نافلة.
وقال مالك، والمزني، وداود: (لا يصح بنية من النهار). وروي ذلك عن ابن عمر في الصحابة، وجابر بن زيد من التابعين. دليلنا: ما روي «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أنها قالت: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يدخل علي، فيقول: «هل من طعام؟»، فأقول: لا، فيقول: «إني صائم"، وفي بعض الأخبار: أنه قال: «هل من غداء؟»، فقلت: لا، فقال: «إني إذن صائم». ولنا من الخبر أدلة: منها: أنه إنما طلب الطعام، لأنه كان مفطرا، فلما لم يجد.. صام. والثاني: أن الظاهر من قوله: «إني صائم" إنما صام؛ لفقد الطعام. والثالث: قوله: «إني إذا صائم"، وهذه اللفظة في لسان العرب موضوعة لاستئناف الشيء وابتدائه في المستقبل. إذا ثبت هذا: فهل يجوز بنية بعد الزوال؟ فيه قولان: أحدهما: يصح؛ لأنه جزء من النهار، فصحت نية التطوع فيه، كما قبل الزوال. والثاني: لا يصح، وهو الصحيح، وبه قال أبو حنيفة؛ لأن النية لم تصحب معظم النهار، فلم يصح، كما لو نوى مع غروب الشمس. وإذا نوى صوم التطوع من النهار.. فهل يكون صائمًا من أول النهار، ويثاب عليه، أو من وقت النية لا غير. فيه وجهان: أحدهما: وهو قول أبي إسحاق، واختيار المسعودي [في "الإبانة"ق\ 157]-: أنه يكون صائمًا من وقت النية لا غير؛ لأن ما قبل النية لم يوجد فيه القصد إلى القربة، فلم يثب عليه. والثاني - وهو اختيار الشيخ أبي حامد، وابن الصباغ -: أنه يكون صائما من أول النهار؛ لأن الصوم في اليوم لا يتبعض، فلا يجوز أن يكون مفطرًا في أوله صائما في آخره، وقول الأول: أنه لم يوجد فيه القصد منه على القربة من أول النهار.. فغير صحيح؛ لأنه قد وجد منه القصد في معظم النهار، فجعل في الحكم كأنه قصد القربة من أوله، كما نقول فيمن أدرك الركوع مع الإمام.. فإنه يجعل في الحكم كأنه أدرك الركعة معه من أولها. فإذا قلنا: بهذا: وكان قد أكل قبل نية الصوم.. لم يصح صومه، وجهًا واحدًا. وإذا قلنا: بالأول: وأنه يكون صائمًا من وقت النية، وكان قد أكل في النهار قبل النية.. فهل يصح صومه؟ فيه وجهان، حكاهما في"الإبانة" [ق\157]: أحدهما: وإليه ذهب الشيخ أبو زيد، وأبو العباس ابن سريج - أنه يصح صومه؛ لأنا قد حكمنا بأنه صائم من وقت النية، ولا اعتبار بما قبل ذلك. والثاني: لا يصح صومه، وهو المشهور؛ لأنه وإن لم يحكم بصومه إلا من وقت النية، فلا يمتنع أن يشترط في ذلك تقديم شرط على ذلك، كما أنه إذا أدرك الجمعة.. فجمعته من حين أدرك، ويشترط تقديم الخطبة على ذلك الوقت.
وروي عن حذيفة: (أنه لما طلع الفجر.. تسحر، ثم صلى). وروي معنى ذلك عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وقال مسروق: لم يكونوا يعدون الفجر هذا فجركم، إنما كانوا يعدون الفجر الذي يملأ البيوت والطرق. وحُكي عن الأعمش، وإسحاق: أنهما قالا: يجوز الأكل إلى طلوع الشمس. دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187]. فإن جامع قبل طلوع الفجر، وأصبح وهو جنب.. صح صومه، وروي ذلك عن علي، وابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وأبي الدرداء، وأبي ذر، وزيد بن ثابت، وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وقال الحسن، وسالم بن عبد الله: يصوم، ويقضي. وروي ذلك عن أبي هريرة. دليلنا: ما روت عائشة، وأم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصبح جنبًا من جماع، لا احتلام، ثم يغتسل، ويصوم» وروت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أن أعرابيًا قال: يا رسول الله، إني أصبح جنبًا وأريد الصوم؟ فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وأنا أُصبح جنبًا وأريد الصوم، فأغتسل، وأصوم"، فقال: إنك لست مثلنا، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فغضب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقال: «والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعلمكم بما أتقي» وإن طهرت الحائض قبل الفجر، وأخرت الغسل حتى أصبحت.. لم يؤثر في صومها. وقال الأوزاعي: (عليها القضاء). دليلنا: ما ذكرناه في الجنب، فإن طلع عليه الفجر، وفي فمه طعام، فأكله، أو كان مجامعًا، فاستدام، أو تحرك لغير الإخراج.. وجب عليه القضاء. وإن لفظ الطعام، أو أخرج مع طلوع الفجر... لم يبطل صومه. وقال المزني وزفر: إذا أخرج مع طلوع الفجر.. لزمه القضاء. دليلنا: أن الإخراج ليس بجماع، وإنما هو ترك للجماع، بدليل: أنه لو كان في دار، فحلف لا أقام فيها، فأخذ في الخروج منها.. لم يحنث.
وقال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (يفسد صومه، وعليه القضاء). دليلنا: أن الأصل بقاء الليل، وجواز الأكل، فلم يجب عليه القضاء بالشك. وإن شك في غروب الشمس.. لم يحل له أن يأكل فإن أكل، ولم يتبين له أن الشمس كانت قد غربت.. وجب عليه القضاء؛ لأن الأصل بقاء النهار، وتحريم الأكل.
وقال مالك، والأوزاعي، وداود: (لا يفطر إلا إن وصل إلى جوفه). دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للقيط بن صبرة: «أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا». فلا يستقصي في المبالغة، فيصير سعوطا، فلولا أن الفطر يتعلق بما يصل منه.. لما نهى عنه. ولأن ما يصل إلى دماغ الإنسان يغذي كما يغذي ما يصل إلى الجوف، فوجب أن يفطر به، كالواصل إلى الجوف. فإن صب الماء في أذنه، فوصل إلى دماغه.. ففيه وجهان: أحدهما: وهو قول الشيخ أبي إسحاق، وأبي علي السنجي -: أنه يبطل صومه؛ لأنه وصل إلى دماغه، فهو كالسعوط. والثاني - وهو قول المسعودي [في "الإبانة" ق\ 159]-: أنه لا يبطل صومه؛ لأنه لا ينفذ من الأذن إلى الدماغ، وإنما يصل إليه بالمسام، فهو كما لو وصل الكحل من العين إلى الحلق، وكما لو دهن جلدة بطنه.. فإن جلده يتشرب، ويتحقق أنه يصل إلى البطن ولا يفطر بذلك، بخلاف ما يصل من الأنف، فإنه يصل بمنفذ. وذكر في "الفروع" إذا دهن بالليل فأحس بالدهن في حلقه بالنهار.. لم يفطر، في قول عامة أصحابنا. وقال ابن القاص: يفطر؛ لأنه يحلب الفم، ويجمع الريق، فيؤدي على النزول إلى الحلق. وهذا ليس بصحيح؛ لأن الريق لا يفطر الصائم.
وقال الحسن بن صالح، وداود: (لا يفطر بذلك). وقال أبو حنيفة: (لا يفطر بالتقطير في الإحليل). وقد حكى الشيخ أبو إسحاق وجها لبعض أصحابنا في التقطير وإدخال الميل بالإحليل: أنه لا يفطر به؛ لأن ما يصل إلى المثانة لا يصل إلى الجوف، فهو كما لو ترك في فمه شيئا. وقال في "الإبانة" [ق\159] إن وصل إلى المثانة.. أفطر، وجها واحدا، وإن وصل إلى باطن الذكر، ولم يصل إلى المثانة.. ففيه وجهان. والأول هو المذهب؛ لأنه جوف، فتعلق الفطر بالواصل إليه، كالبطن.
وقال مالك، وداود: (لا يفطر). وقال أبو حنيفة: (إن كان الدواء رطبا أفطر، وإن كان يابسا لم يفطر) دليلنا: أنه وصل إلى جوفه باختياره، فهو كالبطن. وإن جرح نفسه، أو جرحه غيره بإذنه، فوصلت السكين إلى دماغه أو جوفه.. أفطر. فقال أبو حنيفة: (إن نفذت الطعنة إلى الجانب الآخر.. أفطر، وإن لم تنفذ لم يفطر). دليلنا: ما ذكرناه في السعوط والحقنة. وإن طعن فخذه، فوصل إلى العظم، أو لم يصل.. لم يفطر؛ لأن ذلك ليس بجوف.
وقال الحسن بن صالح: لا يفطر بذلك. وعن أبي طلحة صاحب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنه كان يأكل البرد وهو صائم، ويقول: (ما هو طعام ولا شراب، وإنما هو بركة من السماء تطهر به بطوننا). دليلنا: أن الصوم هو الإمساك عن كل ما يصل إلى الجوف، وهذا لم يمسك، ولأنه ذاكر لصومه، وأوصل إلى جوفه ما يمكنه الاحتراز منه، فأفطر، كما لو أكل أو شرب معتادًا.
وقال أبو حنيفة: (لا يفطر). وحكى صاحب "العدة": أن ذلك وجه لبعض أصحابنا. وليس بمشهور؛ لأنه ولو وصل إلى جوفه باختياره مع ذكره للصوم، فهو كما لو ابتلعه جميعه. وإن استاك فدخل إلى جوفه شيء من رطوبة السواك أو خشبه المتشعثة منه.. قال صاحب "الإبانة"ق\ 160] أفطر بذلك.
وأما إذا خرج بنفسه، أو أخرجه وأمكنه أن يرمي به، فلم يفعل، بل ابتلعه وهو ذاكر للصوم.. بطل صومه. وقال أبو حنيفة: (لا يفطر به). دليلنا: أنه ابتلع طعامًا يمكنه الاحتراز منه باختياره، فهو كما لو أكل بنفسه. وإن نزل الريق إلى حلقه على ما جرت به العادة.. لم يفطر، وهكذا: لو اجتمع الريق في فمه بغير اختياره، مثل: أن يطيل الكلام، فيجتمع لأجله الريق، فابتلعه، أو نزلت نخامة من رأسه إلى جوفه، ولم يمكنه رميها.. لم يفطر بذلك؛ لأنه لا يمكنه الاحتراز عن ذلك. وإن أخرج الريق من فيه إلى يده، وابتلعه، أو أخرج نخامة من صدره أو رأسه وأمكنه رميها، فلم يفعل، وابتلعها.. أفطر بذلك؛ لأنه قد أمكنه الاحتراز منه. وحكى في "العدة" وجهًا آخر: أنه إذا جذب النخامة من رأسه إلى فمه، ثم ازدردها منه.. أنه لا يفطر بذلك. والأول أصح وإن ابتلع ريق غيره.. أفطر بذلك. فإن قيل: فقد روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقبلها وهو صائم، ويمص لسانها» قيل: يحتمل أن يكون مص اللسان في غير الصوم، ويحتمل أن لا يبتلع ذلك وإن جمع في فيه ريقًا كثيرًا، ثم ابتلعه.. ففيه وجهان: أحدهما: يفطر؛ لأنه قد أمكنه أن لا يجمع في فمه ريقًا كثيرًا، فإذا فعل.. صار كما لو شرب ماء. والثاني: لا يفطر؛ لأنه أوصل إلى جوفه من معدنه، فهو كما لو كان قليلًا.
وقال عطاء، وأبو ثور: (إذا تقيأ عامدًا.. قضى، وكفر). وقال أبو ثور: (وإن ذرعه القيء.. قضى، ولا كفارة عليه). وقال ابن عباس، وابن مسعود: (لا يؤثر القيء في الصوم، سواء كان عامدًا أو غلبه) دليلنا: ما روى أبو هريرة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من استقاء.. فعليه القضاء، ومن ذرعه القيء.. فلا قضاء عليه» وروى زيد بن أسلم، عن رجل من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنه قال: «لا يفطر من قاء، أو احتجم، أو احتلم»
وإن باشرها فيما دون الفرج، بأن قبل، أو لمس، فإن أنزل.. بطل صومه، وإن لم ينزل.. لم يبطل صومه؛ لما روي «عن عمر: أنه قال: قبلت وأنا صائم، فقلت: يا رسول الله، صنعت اليوم أمرًا عظيما، قبلت وأنا صائم، فقال: «أرأيت لو تمضمضت بالماء وأنت صائم؟»، قلت: لا بأس به، قال: «فمه» فإن قبلها فأمذى.. لم يفطر. وقال أحمد: (لا يفطر). دليلنا: أنه خارج لا يوجب الغسل، فإذا انضم إلى المباشرة.. لم يفسد الصوم، كالبول. وإن جامع قبل طلوع الفجر، ثم أنزل بعد طلوعه.. لم يفسد صومه؛ لأنه تولد عن مباشرة مباحة، فلم يجب عليه بذلك شيء، كما لو قطع يد رجل قصاصا، فمات المقتص منه. وإن نظر وتلذذ، فأنزل.. لم يفطر، سواء كرر النظر أو لم يكرره، وبه قال أبو حنيفة. وقال مالك: (إن أنزل من النظرة الأولى.. أفطر، ولا كفارة عليه، وإن كرر النظر، فأنزل.. أفطر، وقضى وكفر). ودليلنا: أنه إفطار عن غير مباشرة، فهو كالاحتلام. وإذا استمنى بكفه، فأنزل.. أفطر، كما لو قبل، فأنزل. وإن حك ذكره لعارض، فأنزل.. ففيه وجهان، حكاهما الصيمري، ويشبه أن يكون ذلك بناء على القولين فيمن سبق الماء إلى حلقه في المضمضة والاستنشاق. وإن احتلم في نهار رمضان.. لم يفطر؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثلاث لا يفطرن الصائم: القيء، والحجامة، والاحتلام»، ولأن هذا حصل بغير اختياره، فهو كما لو طارت في حلقه ذبابة، ودخلت جوفه بغير اختياره. |