الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.الفوائد: قال ابن هشام في المغني ما نصه: قال تعالى: {لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} فإنه يجوز أن تقدر لا ناهية أو نافية، وعلى الأول فهي مقولة لقول محذوف هو الصفة، أي: فتنة مقولا فيها ذلك، ويرجحه أن توكيد الفعل بالنون بعد لا الناهية قياس، نحو:{ولا تحسبن اللّه غافلا} وعلى الثاني فهي صفة لفتنة، ويرجحه سلامته من تقدير القيد الثاني صلاحيتها للاستغناء عنها، وخرج بذلك الصلة، وجملة الخبر، والجملة المحكية بالقول، فإنها لا يستغنى عنها، بمعنى أن معقولية القول متوقفة عليها.وقال أبو حيان: والجملة من قوله: {لا تصيبن} خبرية صفة لقوله: {فتنة}، أي: غير مصيبة الظالم خاصة. إلا أن دخول نون التوكيد على المنفي ب {لا} مختلف فيه، فالجمهور لا يجيزونه، ويحملون ما جاء منه على الضرورة أو الندور. والذي نختاره الجواز، وإليه ذهب بعض النحويين. وإذا كان قد جاء لحاقها الفعل منفيا ب {لا} مع الفصل، نحو قوله:فلأن تلحقه مع غير الفصل أولى، نحو: ولا تصيبن. .البلاغة: 1- المجاز في قال تعالى: {يحول بين المرء وقلبه}. فأصل الحول تغير الشيء وانفصاله عن غيره، وباعتبار التغير قيل: حال الشيء يحول، وباعتبار الانفصال قيل: حال بينهما فحقيقة كون اللّه يحول بين المرء وقلبه أنه يفصل بينهما، فهو مجاز مرسل عن غاية القرب من العبد، لأن من فصل بين شيئين كان أقرب إلى كل منهما من الآخر لاتصاله بهما، فالعلاقة المحلية أو السببية. ويجوز أن يكون الكلام استعارة تمثيلية لغاية قربه من العبد، واطلاعه على مكنونات القلوب وسرائر النفوس.2- واختلف في {لا} من قال تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} على قولين:أ- أن {لا} ناهية، وهو نهي بعد أمر، أي: إنه كلام منقطع عما قبله، كقولك: صلّ الصبح ولا تضرب زيدا، فالأصل: اتقوا فتنة، أي: عذابا، ثم قيل: لا تتعرضوا للفتنة فتصيب الذين إلخ، وعلى هذا فالاصابة بالمتعرضين. وتوكيد الفعل بالنون واضح لاقترانه بحرف الطلب، مثل: {ولا تحسبنّ اللّه غافلا}، ولكن وقوع الطلب صفة للنكرة ممتنع، فوجب إضمار القول، أي: واتقوا فتنة مقولا فيها ذلك، كما قيل في قوله:ب- أنها نافية، واختلف القائلون بذلك على قولين: أحدهما أن الجملة صفة لفتنة، ولا حاجة إلى إضمار قول، لأن الجملة خبرية. بل هو في الآية أسهل، لعدم الفصل، وهو فيهما سماعي. والذي جوزه تشبيه لا النافية بلا الناهية، وعلى هذا الوجه تكون الاصابة عامة للظالم وغيره لا خاصة بالظالمين، كما ذكره الزمخشري، لأنها قد وصفت بأنها لا تصيب الظالمين، خاصة، فكيف تكون مع هذا خاصة بهم! والثاني أن الفعل جواب الأمر، وعلى هذا فيكون التوكيد أيضا خارجا عن القياس وشاذا. وممن ذكر هذا الوجه الزمخشري، وهو فاسد، لأن المعنى حينئذ: فإنكم إن تتقوها لا تصب الظالم خاصة. وقوله: إن التقدير: إن أصابتكم لا تصيب الظالم خاصة، مردود، لأن الشرط إنما يقدر من جنس الأمر، لا من جنس الجواب. .[سورة الأنفال الآيات 27- 29]: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)}.الإعراب: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} لا ناهية، وتخونوا مضارع مجزوم بلا الناهية، والواو فاعل، ولفظ الجلالة مفعول به، والرسول عطف على الله: {وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} الواو يجوز فيها أن تكون واو المعية، فيكون {تخونوا} منصوبا بأن مضمرة بعدها، لأنها وقعت جوابا للنهي، ويجوز أن تكون عاطفة فيكون {تخونوا} مجزوما داخلا في حكم النهي. ولعل الثاني أولى، لأن فيه النهي عن كل واحد على حدته، بخلاف الأول، فإن فيه النهي عن الجمع بينهما. ولا يترتب على النهي عن الجمع بين الشيئين النهي عن كل واحد على حدته. وأماناتكم مفعول به على تقدير محذوف، أي أصحاب أماناتكم. وسيأتى بحث استعارة الخيانة في باب البلاغة، وأنتم الواو للحال، وأنتم مبتدأ، وجملة تعلمون خبر، وجملة أنتم تعلمون حالية، وحذف مفعول يعلمون للعلم به، أي تعلمون أن ما وقع منكم خيانة.{وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}واعلموا عطف على مقدم، وأنما كافة ومكفوفة، وقد سدت مسد مفعولي اعلموا، ولذلك فتحت همزتها، وسيأتي بحث فتح همزة إن وكسرها في باب الفوائد، وأموالكم مبتدأ، وأولادكم عطف على {أموالكم}، وفتنة خبر، وجعل الأموال والأولاد فتنة لأنهم سبب الوقوع في الفتنة، وهي الإثم والعذاب، أو محنة وابتلاء من اللّه ليسبر، غوركم، ويكتنه حقيقتكم، فما عليكم- والأمر بهذه المثابة- إلا توطين النفس على الإخلاص والتزهد في زخارف الدنيا، وعدم الاغترار بأباطيلها وأفاويقها، وأن اللّه عطف على أنما أموالكم وأولادكم، وأن واسمها، وعنده الظرف خبر مقدم، وأجر مبتدأ مؤخر، والجملة خبر {أن}، وفي هذا صارف لكم عن حب الدنيا وإيثارها على ما عند اللّه، وهو خير وأبقى. وفي هذا كله حث على اكتساب الأجر، وحسن الأحدوثة، وخلود الذكر.{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانًا} إن شرطية، وتتقوا فعل الشرط، ولكم جار ومجرور متعلقان بيجعل، وفرقانا مفعول به، أي: نصرا يفرق بين الحق والباطل، وبين الكفر بإذلال مشايعيه، والإسلام بتعزيز مناجديه، أو منجاة من الشبهات التي تزيغ فيها الضمائر، وتضل الأفهام، وتعشو النواظر عن رؤية الحق.هذا وقد اختلف في {الفرقان} هنا، فقال بعضهم: هو ما يفرق به بين الحق والباطل، والمعنى أنه يجعل لهم من ثبات القلوب، وثقوب البصائر، وحسن الهداية، ما يفرقون به بينهما عند الالتباس. وقيل:الفرقان المخرج من الشبهات، والنجاة من كل ما يخافونه، ومنه قول الشاعر:ومنه قول الآخر: وقال الفرّاء: المراد بالفرقان: الفتح والنصر. وقال ابن اسحق:الفرقان الفصل بين الحق والباطل. وقال السّدّيّ: الفرقان النجاة.{وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} عطف على ما تقدم {وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} الواو استئنافية، واللّه مبتدأ، وذو الفضل خبره، والعظيم صفة للفضل. .البلاغة: الاستعارة في {لا تخونوا أماناتكم} فالخون في الأصل هو النقص، ومنه تخوّنه إذا تنقّصه، ثم استعير فيما هو ضد الأمانة والوفاء، لأنك إذا خنت الرجل في شيء فقد أدخلت النقصان عليه.وقد استعير أيضا في قولهم خان الدلو الكرب. والكرب هو- كما في الصحاح- حبل يشد في رأس الدلو. وخان المشتار السبب، والمشتار مجتني العسل، والسّبب الحبل، وإذا انقطع الحبل فيهما فكأنه لم يقف. والاستعارة هنا تصريحية تبعية.
|