الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.الكلام على البسملة: أين آباؤك مروا وسلكوا أين أقرانك أما رحلوا وانصرفوا أين أرباب القصور أما أقاموا في القبور وعكفوا أين الأحباب هجرهم المحبون وصدفوا فانتبه لنفسك فالمتيقظون قد عرفوا فستحملك الأهل إلى القبور وربما مروا فانحرفوا. يا غافلا ما يفيق يا حاملًا ما لا يطيق ألست الذي بارزت بالذنوب مولاك ألست الذي عصيته وهو يرعاك أسفًا لك ما الذي دهاك حتى بعت هداك بهواك يا ليت عينك أبصرت ذل الخطايا قد علاك. كان محمد بن السماك يقول يا بن آدم أنت في حبس منذ كنت أنت محبوس في الصلب ثم في البطن ثم في القماط ثم في المكتب ثم تصير محبوسًا في الكد على العيال فاطلب لنفسك الراحة بعد الموت لا تكون في حبس أيضًا وكان أبو حازم يقول اضمنوا لي اثنين أضمن لكم الجنة عملًا بما تكرهون إذا أحبه الله وتركا لما تحبون إذا كرهه الله وقال انظر كل عمل كرهت الموت لأجله فاتركه ولا يضرك متى مت يا رضيع الهوى وقد آن فطامه يا طالب الدنيا وقد حان حمامه أللدنيا خلقت أم بجمعها أمرت. يا من لا يتعظ بأبيه ولا بابنه يا مؤثرًا للفاني على جودة ذهنه يا متعوضا عن فرح ساعة بطول حزنه يا مسخطًا للخالق لأجل المخلوق ضلالًا لإفنه أمالك عبرة فيمن ضعضع مشيد ركنه أما رأيت راحلًا عن الدنيا يوم ظعنه أما تصرفت في ماله أكف غيره من غير إذنه أما انصرف الأحباب عن قبره حين دفنه أما خلا بمسكنه في ضيق سجنه تنبه والله من وسنه لقرع سنه ولقى في وطنه ما لم يخطر على ظنه يا ذلة مقتول هواه يا خسران عبد بطنه. أخبرنا عمر بن ظفر أخبرنا جعفر بن أحمد حدثنا عبد العزيز بن علي أنبأنا ابن جهضم حدثنا الخلدي حدثنا ابن مسروق حدثنا محمد بن الحسين قال حدثني ابن عبد الوهاب قال قال رجل لداود الطائي أوصني فدمعت عيناه وقال يا أخي إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة ً بعد مرحلة حتى ينتهي ذلك إلى آخر سفرهم فإن استطعت أن تقدم كل يوم زادًا لما بين يديك فافعل فإن انقطاع السفر عن قريب والأمر أعجل من ذلك فتزود لنفسك واقض ما أنت قاض فكأنك بالأمر قد بغتك إني لأقول لك هذا وما أعلم أحدًا أشد تقصيرًا مني ثم قام وتركه. .الكلام على قوله تعالى: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم}: لقد دعاكم إلى البدار مولاكم وفتح باب الإجابة ثم استدعاكم ودلكم على منافعكم وهداكم فالتفتوا عن الهوى فقد آذاكم وحثوا حزم جزمكم وصبوا ذنوب الحزن على ذنبكم وسارعوا إلى مغفرة من ربكم بابه مفتوح للطالبين وجنابه مبذول للراغبين وفضله ينادي يا غافلين وإحسانه ينادي الجاهلين فاخرجوا من دائرة المذنبين وبادروا مبادرة التائبين وتعرّضوا لنسمات الرحمة تخلصوا من كربكم وسارعوا إلى مغفرة من ربكم كم شغلتم بالمعاصي فذهب الفرض وبارزتم بالخطايا ونسيتم العرض وأعرضتم عن النذير وهو الشعر المبيض وحضكم على اكتساب حظكم فما نفع الحض وطالت آمالكم بعد أن ذهب الشباب الغض ورأيتم سلب القرناء ولقد أنذر البعض بالبعض ففروا إلى الله من سجن الهوى فقد ضاق طوله والعرض وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض روى مسلم في أفراده من حديث أنس بن مالك قال انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى بدر حتى سبقوا المشركين وجاء المشركون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض قال يقول عمير بن الحمام الأنصاري يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض قال نعم قال بخ بخ يا رسول الله فقال ما يحملك على قولك بخ بخ قال لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها قال فإنك من أهلها.قال فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكلهن ثم قال إن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتل حتى قتل وقد روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أيضًا في يوم أحد قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض فقام عمرو من الجموح وهو أعرج فقال والله لأحفزن بها في الجنة فقاتل حتى قتل قال الواقدي لما أراد عمرو بن الجموح الخروج إلى أحد منعه بنوه وقالوا قد عذرك الله فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن بني يريدون حبسي عن الخروج معك وإني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة فقال أما أنت فقد عذرك الله ثم قال لبنيه لا عليكم أن تمنعوه لعل الله عز وجل يرزقه الشهادة فخلوا سبيله قالت امرأته هند بنت عمرو بن خزام كأني أنظر إليه موليًا فقد أخذ درقته وهو يقول اللهم لا تردني إلى خربي وهي منازل بني سلمة قال أبو طلحة فنظرت إليه حين انكشف المسلمون ثم ثابوا وهو في الرعيل الأول لكأني أنظر إلى ظلع في رجله وهو يقول أنا والله مشتاق إلى الجنة ثم أنظر إلى ابنه خلاّد وهو يعدو معه في إثره حتى قتلا جميعًا وفي الحديث أنه دفن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمر وأبو جابر في قبر واحد فخرب السيل قبرهم فحفر عنهم بعد ست وأربعين سنة فوجدوا لم يتغيروا كأنهم ماتوا بأمس لله در قوم بادروا الأوقات واستدركوا الهفوات فالعين مشغولة بالدمع عن المحرمات واللسان محبوس في سجن الصمت عن الهلكات والكف قد كفت بالخوف عن الشهوات والقدم قد قيدت بقيد المحاسبات والليل لديهم يجأرون فيه بالأصوات فإذا جاء النهار قطعوه بمقاطعة اللذات فكم من شهوة ما بلغوها حتى الممات فتيقظ للحاقهم من هذه الرقدات ولا تطمعن في الخلاص مع عدم الإخلاص في الطاعات ولا تؤملن النجاة وأنت مقيم على الموبقات {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات}.لما علم الصالحون قصر العمر وحثهم حادي وسارعوا طووا مراحل الليل مع النهار انتهابًا للأوقات كان في مسجد أبي مسلم الخولاني سوط يخوف به نفسه فإذا فتر ضربها بالسوط وكان مصلى وهب بن منبه فراشه أربعين سنة وبقي أربعين سنة يصلي الفجر بوضوء العشاء وكان أويس القرني يقول لأعبدن الله تعالى عبادة الملائكة فيقطع ليلة قائمًا وليلة راكعًا وليلة ساجدًا وكان علي بن عبد الله بن العباس يسجد كل يوم ألف سجدة فسمي السجاد وكان كرز بن وبرة يعصب رجليه بالخرق لكثرة صلاته فازدحم الناس على جسر فنزل يصلي لئلا يبطل ودخلوا على زجلة العابدة وكانت قد صامت حتى اسودت وبكت حتى عميت وصلت حتى أقعدت فذاكروها شيئًا من العفو فشهقت ثم قالت علمي بنفسي قرح فؤادي وكلم كبدي والله لوددت أن الله تعالى لم يخلقني فقيل لها ارفقي بنفسك فقالت إنما هي أيام قلائل تسرع من فاته شيء اليوم لم يدركه غدًا ثم قالت يا إخوتاه لأصلين لله ما أقلتني جوارحي ولأصومن له أيام حياتي ولأبكين ما حملت الماء عيناي أيكم يحب أن يأمر عبده بأمر فيقصر فهذه والله صفات المجتهدين وهذه خصال المبادرين فانتبهوا يا غافلين.
|