الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
وهي سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة: فيها في يوم عاشوراء عمل أهل الكرخ ما جرت به العادة من النوح وغيره. واتفق يوم عاشوراء يوم المهرجان فأخره عميد الجيوش إلى اليوم الثاني مراعاة لأجل الرافضة هذا ما كان ببغداد. فأما مصر فإنه كان يفعل بها في يوم عاشوراء من النوح البكاء والصراخ وتعليق المسوح أضعاف ذلك لا سيما أيام خلفاء مصر بني عبيد فإنهم كانوا أعلنوا الرفض وسب الصحابة من غير تستر ولا خيفة. وفيها كانت فتنة عظيمة بين أهل السنة والرافضة ببغداد. وفيها زلزلت الدينور فهدمت المنازل وأهلكت ستة عشر ألف إنسان وخرج من سلم إلى الصحراء وبنوا لهم أكواخًا من القصب وذهب من الأموال ما لا يعد ولا يحصى. وفيها هدم الحاكم بيعة قمامة التي ببيت المقدس وغيرها من الكنائس بمصر والشام وألزم أهل الذمة بما ذكرناه في ترجمة الحاكم. وفيها توفي أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد أبو الفضل الهمذاني الملقب ببديع الزمان صاحب الرسائل الرائقة وصاحب المقامات الفائقة التي على منوالها نسج الحريري مقاماته واعترف له بالفضل عليه. وكان إمام وقته في المنثور والمنظوم. ومن كلامه النثر: " الماء إذا طال مكثه ظهر خبثه وإذا سكن متنه تحرك نتنه ". وله من تعزية: " الموت خطب قد عظم حتى هان ومس قد خشن حتى لان والدنيا قد تنكرت حتى صار الموت أخف خطوبها وجنت حتى صار أصغر ذنوبها. " وله من هذا أشياء كثيرة. وأما شعره فجيد إلى الغاية. من ذلك قوله من جملة قصيدة: وكاد يحكيك صوب الغيث منسكبًا لو كان طلق المحيا يمطر الذهبا والدهر لو لم يخن والشمس لو نطقت والليث لو لم يصد والبحر لو عذبا وكانت وفاته في هذه السنة بمدينة هراة. وفيها توفي عبد الواحد بن نصر بن محمد أبو الفرج المخزومي النصيبي الشاعر المشهور المعروف بالببغاء. والببغاء هو الطير المعروف بالدرة وقيل غيرها. خدم الببغاء المذكور سيف الدولة بن حمدان ومدحه وكان شاعرًا مجيدًا وكاتبًا مترسلًا جيد المعاني حسن القول في المدائح. ومن شعره: وكأنما نقشت حوافر خيله للناظرين أهلة في الجلمد وكأن طرف الشمس مطروف وقد جعل الغبار له مكان الإثمد وفيها توفي عبد الله بن محمد أبو محمد البخاري الخوارزمي الفقيه الشافعي كان فقيهًا فصيحًا أديبًا يرتجل الخطب الطوال ويقول الشعر على البديهة. ومن شعره: كم حضرنا وليس يقضى التلاقي نسأل الله غير هذا الفراق وفيها توفي أبو منصور بن بهاء الدولة وقيل: إن اسمه بويه. كان أبوه بهاء الدولة يخافه ومنع الخدم من الكلام معه وضيق عليه. ولما مات وجد عليه وجدًا عظيمًا ولبس السواد وواصل البكاء والحزن إلى أن اجتمع إليه وجوه الديلم وسألوه أن يرجع إلى عادته. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم خمس أذرع سواء. مبلغ الزيادة أربع عشرة ذراعًا وتسع أصابع. السنة الثالثة عشرة من ولاية الحاكم منصور وهي سنة تسع وتسعين وثلاثمائة: فيها لحق الحاج عند عودهم من مكة الأصيفر الأعرابي وقرر عليهم أبو الحارث محمد بن محمد بن عمر العلوي أمير الحاج مالًا فأوردوه ودخلوا الكوفة بعد أن لاقوا مشقة شديدة وأقاموا بها حتى أرسل إليهم أبو الحسن علي بن مزيد أخاه حمادًا فحملهم إلى المدائن ثم دخلوا بغداد. وفيها صرف أبو عمر عبد الواحد عن قضاء البصرة ووليها أبو الحسن بن أبي الشوارب. فقال العصفري الشاعر في هذه المعنى: عندي حديث ظريف بمثله يتغنى فذا يقول اكرهونا وذا يقول استرحنا ويكذبان جميعًا ومن يصدق منا وفيها ولى الحاكم القائد أبا الجيش حامد بن ملهم أميرًا على دمشق بعد علي بن جعفر بن فلاح فوليها سنة وأربعة أشهر ثم عزل بمحمد بن نزال. وفيها لم يحج أحد من العراق خوفًا من العطش والعرب وخرجوا ثم عادوا. وفيها توفيت يمنى أم القادر. كانت مولاة عبد الواحد بن الخليفة المقتدر وكانت من أهل الدين والصلاح. وصلى عليها القادر في داره وكبر أربعًا وحملت إلى الرصافة في طيار فدفنت بها. وفيها توفي الأمير لؤلؤ غلام سيف الدولة بن حمدان صاحب حلب والذي كان واقع العزيز نزارًا والد الحاكم وقد تقدم ذكر ذلك في ترجمة العزيز مفصلًا. كان لؤلؤ شجاعًا مقدامًا. ولما مات لؤلؤ تولى الملك بعده ابنه مرتضى الدولة وهرب بعد ذلك إلى الروم. وفيها توفي هشام بن الحكم بن عبد الرحمن الأموي صاحب الأندلس ولقبه المؤيد وهو من ذرية مروان بن الحكم الأموي وهو عم أبي ركوة الذي كان خرج على الحاكم المقدم ذكره وباسمه كان يخطب أبو ركوة المذكور. ولي هشام هذا الملك وله تسع سنين وأقام واليًا على أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ذراعان وست عشرة إصبعًا. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وثلاث وعشرون إصبعًا. السنة الرابعة عشرة من ولاية الحاكم منصور وهي سنة أربعمائة: فيها أرجف بموت الخليفة القادر فجلس للناس بعد صلاة الجمعة ودخل عليه القضاة والأشراف وعليه أبهة الخلافة وقبل أبو حامد الأسفرايني يده. وفيها أرسل الحاكم إلى المدينة إلى دار جعفر الصادق من فتحها وأخذ منها ما كان فيها وكان فيها مصحف وسرير وآلات وكان الذي فتحها ختكين العضدي الداعي وحمل معه رسوم الأشراف وعاد إلى مصر بما وجد في الدار وخرج معه من شيوخ العلويين جماعة فلما وصلوا إلى الحاكم أطلق لهم نفقات قليلة ورد عليهم السرير وأخذ الباقي وقال: أنا أحق به فانصرفوا داعين عليه. وشاع فعله في الأمور التي خرق العادات فيها ودعي عليه في أعقاب الصلوات وظوهر بذلك فأشفق فخاف وأمر بعمارة دار العلم وفرشها ونقل إليها الكتب العظيمة وأسكنها من شيوخ السنة شيخين يعرف أحدهما بأبي بكر الأنطاكي وخلع عليهما وقربهما ورسم لهما بحضور مجلسه وملازمته وجمع الفقهاء والمحدثين إليها وأمر أن يقرأ بها فضائل الصحابة ورفع عنهم الاعتراض في ذلك وأطلق صلاة التراويح والضحى وغير الأذان وجعل مكان " حي على خير العمل " " الصلاة خير من النوم " وركب بنفسه إلى جامع عمرو بن العاص وصلى فيه الضحى وأظهر الميل إلى مذهب الإمام مالك والقول به ووضع للجامع تنورًا من فضة يوقد فيه ألف ومائتا فتيلة واثنين آخرين من دونه وزفهم بالدبادب والبوقات والتهليل والتكبير ونصبهم ليلة النصف من شعبان وحضر أول يوم من رمضان إلى الجامع الذي بالقاهرة وحمل إليه الفرش الكثيرة وقناديل الذهب والفضة فكثر الدعاء له. ولبس الصوف في هذه السنة يوم الجمعة عاشر شهر رمضان وركب الحمار وأظهر النسك وملأ كفه دفاتر وخطب بالناس يوم الجمعة وصلى بهم ومنع من أن يخاطب يا مولانا ومن تقبيل الأرض بين يديه وأقام الرواتب لمن يأوي المساجد من الفقراء والقراء والغرباء وأبناء السبيل وأجرى لهم الأرزاق وصاغ محرابًا عظيمًا من فضة وعشرة قناديل ورصع المحراب بالجوهر ونصبه بالمسجد الجامع. وأقام على ذلك ثلاث سنين يحمل الطيب والبخور والشموع إلى الجوامع وفعل ما لم يفعله أحد. ثم بدا له بعد ذلك فقتل الفقيه أبا بكر الأنطاكي والشيخ الآخر وخلقًا كثيرًا أخر من أهل السنة لا لأمر يقتضي ذلك وفعل ذلك كله في يوم واحد. وأغلق دار العلم ومنع من جميع ما كان فعله وعاد إلى ما كان عليه أولًا من قتل العلماء والفقهاء وأزيد ودام على ذلك حتى مات قتيلًا حسب ما ذكرناه. وفيها توفي الحسين بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن موسى بن جعفر الصادق الشريف أبو أحمد الموسوي والد الشريف الرضي والمرتضى. مولده في سنة أربع وثلاثمائة. وكان سيدًا عظيمًا مطاعًا كانت هيبته أشد من هيبة الخلفاء خاف منه عضد الدولة فاستصفى أمواله. وكانت منزلته عند بهاء الدولة أرفع المنازل ولقبه بالطاهر والأوحد وذي المناقب وكان فيه كل الخصال الحسنة إلا أنه كان رافضيًا هو وأولاده على مذهب القوم. ومات ببغداد عن سبع وتسعين سنة وصلى عليه ابنه المرتضى ودفن في داره ثم نقل إلى مشهد الحسين ورثاه ولده المرتضى. وفيها توفي أبو الحسن بن الرفاء القارئ المجيد الطيب الصوت الذي ذكرنا قصته مع الأصيفر الأعرابي عندما اعترض الحاج في سنة أربع وتسعين وكانت وفاته ببغداد. وفيها توفي أبو عبد الله القمي التاجر المصري كان بزاز خزانة الحاكم مات في ذي القعدة بين مصر ومكة وحمل إلى البقيع ودفن به وكان ذا مال عظيم خرج في هذه السنة مع حجاج مصر بعد أن اشتملت وصيته على ألف ألف دينار غير المتاع والقماش والجوهر. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم أربع أذرع سواء. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وثلاث وعشرون إصبعًا. السنة الخامسة عشرة من ولاية الحاكم منصور وهي سنة إحدى وأربعمائة: فيها خطب أبو المنيع قرواش بن المقلد الملقب بمعتمد الدولة للحاكم صاحب مصر بالموصل. وكان الحاكم قد استماله فجمع معتمد الدولة أهل الموصل وأظهر طاعة الحاكم فأجابوه وفي القلوب ما فيها فأحضر الخطيب يوم الجمعة رابع المحرم وخلع عليه قباء دبيقيًا وعمامة صفراء وسراويل ديباج أحمر وخفين أحمرين وقلده سيفًا وأعطاه نسخة ما يخطب به وأولها: " الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد. الحمد لله الذي انجلت بنوره غمرات الغضب وانهدت بقدرته أركان النصب وأطلع بقدره شمس الحق من الغرب الذي محا بعدله جور الظلمة وقصم بقوته ظهر الغشمة فعاد الأمر إلى نصابه والحق إلى أربابه البائن بذاته المنفرد بصفاته الظاهر بآياته المتوحد بدلالاته لم تفنه الأوقات فتسبقه الأزمنة ولم يشبه الصور فتحويه الأمكنة ولم تره العيون فتصفه الألسنة سبق كل موجود وجوده وفات كل جود جوده واستقر في كل عقل توحيده وقام في كل مرأىً شهيده. أحمده كما يجب على أوليائه الشاكرين تحميده وأستعينه على القيام بما يشاء ويريده وأشهد له بما شهد أصفياؤه وشهوده. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لا يشوبها دنس الشرك ولا يعتريها وهم الشك خالصة من الإدهان قائمة بالطاعة والإذعان. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم اصطفاه واختاره لهداية الخلق وإقامة الحق فبلغ الرسالة وأدى الأمانة وهدى من الضلالة والناس حينئذ عن الهدى غافلون وعن سبيل الحق ضالون فأنقذهم من عبادة الأوثان وأمرهم بطاعة الرحمن حتى قامت حجج الله وآياته وتمت بالتبليغ كلماته صلى الله عليه وعلى أول مستجيب إليه علي أمير المؤمنين وسيد الوصيين أساس الفضل والرحمة وعماد العلم والحكمة وأصل الشجرة الكرام البررة النابتة في الأرومة المقدسة المطهرة وعلى خلفائه الأغصان البواسق من تلك الشجرة وعلى ما خلص منها وزكا من الثمرة. أيها الناس اتقوا الله حق تقاته وارغبوا في ثوابه واحذروا من عقابه فقد تسمعون ما يتلى عليكم من كتابه قال الله عز وجل: " فالحذر ثم الحذر فكأني وقد أفضت بكم الدنيا إلى الآخرة وقد بان أشراطها ولاح سراطها ومناقشة حسابها والعرض على كتابها " اركبوا سفينة نجاتكم قبل أن تغرقوا " تيقظوا من الغفلة والفترة قبل الندامة والحسرة وتمني الكر والتماس الخلاص ولات حين مناص وأطيعوا إمامكم ترشدوا وتمسكوا بولاة العهود تهتدوا فقد نصب الله لكم علمًا لتهتدوا به وسبيلًا لتقتدوا به جعلنا الله وإياكم ممن تبع مراده وجعل الإيمان زاده وألهمه تقواه ورشاده أستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المؤمنين. ثم جلس وقام وقال: " الحمد لله ذي الجلال والإكرام وخالق الأنام ومقدر الأقسام المنفرد بحقيقة البقاء والدوام فالق الإصباح وخالق الأشباح وفاطر الأرواح أحمده أولًا وآخرًا وأشكره باطنًا وظاهرًا وأستعين به إلهًا قادرًا و أستنصره وليًا ناصرًا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله شهادة من أقر بوحدانيته إيمانًا واعترف بربوبيته إيقانًا وعلم برهان ما يدعو إليه وعرف حقيقة الدلالة عليه. اللهم وصل على وليك الأزهر وصديقك الأكبر علي بن أبي طالب أبي الخلفاء الراشدين المهديين. اللهم وصل على السبطين الطاهرين الحسن والحسين وعلى الأئمة الأبرار والصفوة الأخيار من أقام منهم وظفر ومن خاف فاستتر. اللهم وصل على الإمام المهدي بك والذي بلغ بأمرك وأظهر حجتك ونهض بالعدل في بلادك هاديًا لعبادك. اللهم وصل على القائم بأمرك والمنصور بنصرك اللذين بذلا نفوسهما في رضائك وجاهدًا أعداءك. اللهم وصل على المعز لدينك المجاهد في سبيلك المظهر للآيات الخفية والحجج الجلية. اللهم وصل على العزيز بك الذي مهدت به البلاد وهديت به العباد. اللهم واجعل نوامي صلواتك وزواكي بركاتك على سيدنا ومولانا إمام الزمان وحصن الإيمان وصاحب الدعوة العلوية و الملة النبوية عبدك ووليك المنصور أبي علي الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين كما صليت على آبائه الراشدين وأكرمت أجداده المهديين. اللهم وفقنا لطاعته واجمعنا على كلمته ودعوته واحشرنا في حزبه وزمرته. اللهم وأعنه على ما وليته واحفظه فيما استرعيته وبارك له فيما آتيته وانصر جيوشه وأعل أعلامه في مشارق الأرض ومغاربها إنك على كل شيء قدير. فلما سمع الخليفة القادر ذلك أزعجه وأرسل عميد الجيوش في تجهيز العساكر. فلما بلغ قرواشًا وفيها لم يحج أحد من العراق خوفًا من الأعراب وحج الناس من مصر وغيرها. . وفيها ولى الحاكم لؤلؤ بن عبد الله الشيرازي دمشق ولقبه بمنتخب الدولة فقدم إليها في جمادى الآخرة من الرقة ثم عزله عنها في يوم عيد الأضحى وولى عوضه أبا المطاع ذا القرنين بن حمدان وكان يوم الجمعة فصلى لؤلؤ بالناس العيد وأبو المطاع الجمعة. وحمل لؤلؤ إلى بعلبك فقتل بها بأمر الحاكم. وفيها توفي أبو علي الأمير عميد الجيوش واسمه الحسين بن أبي جعفر. كان أبوه من حجاب عضد الدولة بن بويه وجعل ابنه هذا برسم صمصام الدولة فخدم المذكور صمصام الدولة وبهاء الدولة فولاه بهاء الدولة العراق فقدمها والفتن قائمة فقتل وصلب وغرق حتى بلغ من هيبته أنه أعطى غلامًا له صينية فضة فيها دنانير فقال: خذها على رأسك وسر من النجمي إلى الماصر الأعلى فإن اعترضك معترض فأعطه إياها واعرف المكان فجاء الغلام وقد انتصف الليل وقال: مشيت الحد جميعه فلم يلقني أحد. وفيها توفي أحمد بن محمد بن عبد الرحمن أبو عبيد الهروي اللغوي المؤدب مصنف الغريبين في اللغة لغة القرآن ولغة الحديث ومات في شهر رجب. وفيها توفي علي بن محمد أبو الفتح البستي الكاتب الشاعر. قال الحاكم: هو واحد عصره وحدثني أنه سمع الكثير من أبي حاتم بن حبان. انتهى. قلت: وهو صاحب النظم الرائق والنثر الفائق. ومن كلامه النثر: من أصلح فاسده أرغم حاسده. عادات السادات سادات العادات. ومن شعره رحمه الله تعالى: أعلل بالمنى روحي لعلي أروح بالأماني الهم عني واعلم أن وصلك لا يرجى ولكن لا أقل من التمني أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم أربع أذرع وثماني عشرة إصبعًا. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وثماني عشرة إصبعًا. السنة السادسة عشرة من ولاية الحاكم منصور وهي سنة اثنتين وأربعمائة. فيها في شهر ربيع الآخر كتب الخليفة القادر العباسي محضرًا في معنى الخلفاء المصريين والقدح في أنسابهم وعقائدهم وقرئت النسخ ببغداد وأخذت فيها خطوط القضاة والأئمة والأشراف بما عندهم من العلم بمعرفة نسب الديصانية قالوا: شهادة يتقربون بها إلى الله ومعتقدين ما أوجب الله على العلماء أن ينشروه للناس فشهدوا جميعًا أن الناجم بمصر وهو منصور بن نزار الملقب بالحاكم حكم الله عليه بالبوار والخزي والنكال ابن معد بن إسماعيل بن عبد الرحمن بن سعيد لا أسعده الله فإنه لما صار إلى المغرب تسمى بعبيد الله وتلقب بالمهدي هو ومن تقدمه من سلفه الأرجاس الأنجاس عليه وعليهم اللعنة أدعياء خوارج لا نسب لهم في ولد علي بن أبي طالب وأن ذلك باطل وزور. وأنهم لا يعلمون أن أحدًا من الطالبيين توقف عن إطلاق القول في هؤلاء الخوارج إنهم أدعياء. وقد كان هذا الإنكار شائعًا بالحرمين في أول أمرهم بالمغرب منتشرًا انتشارًا يمنع من أن يدلس على أحد كذبهم أو يذهب وهم إلى تصديقهم. وأن هذا الناجم بمصر هو وسلفه كفار وفساق فجار زنادقة ولمذهب الثنوية والمجوسية معتقدون قد عطلوا الحدود وأباحوا الفروج وسفكوا الدماء وسبوا الأنبياء ولعنوا السلف وادعوا الربوبية. وكتب في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعمائة. وكتب خلق كثير في المحضر المذكور منهم: الشريف الرضي والمرتضى أخوه وابن الأزرق الموسوي ومحمد بن محمد بن عمر بن أبي يعلى العلويون والقاضي أبو محمد عبد الله بن الأكفاني والقاضي أبو القاسم الجزري والإمام أبو حامد الاسفرايني والفقيه أبو محمد الكشفلي والفقيه أبو الحسين القدوري الحنفي والفقيه أبو علي بن حمكان وأبو القاسم التنوخي والقاضي أبو عبد الله الصيمري. انتهى أمر المحضر باختصار. فلما بلغ الحاكم قامت قيامته وهان في أعين الناس لكتابة هؤلاء العلماء الأعلام في المحضر. وفيها حج بالناس من العراق أبو الحارث محمد بن محمد بن عمر العلوي وهبت عليهم ريح سوداء وفقدوا الماء ولقوا شدائد. وفيها توفي أحمد بن مروان أبو نصر وقيل: أبو منصور ممهد الدولة الكردي صاحب ميافارقين. وقد ذكرنا مقتل الحسن بن مروان على باب آمد وأنهم من غير بيت في الرياسة وأنهم وثبوا على ديار بكر وملكوها. ووقع لأحمد هذا أمور ووقائع وحروب. وفيها توفي عبد الرحمن بن محمد بن عيسى بن فطيس بن أصبغ بن فطيس أبو المطرف الإمام قاضي الجماعة بقرطبة سمع الحديث وروى عنه جماعة وكان من الحفاظ وكبار العلماء عارفًا بعلل الحديث والرجال وله مشاركة في سائر العلوم. وفيها توفي محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن يحيى بن جميع أبو الحسين الصيداوي الغساني. رحل إلى البلاد وسمع الكثير وروى عنه غير واحد. ولد سنة خمس وثلاثمائة وكان ثقة محدثًا كبير الشأن ووفاته في شهر رجب. وفيها توفي محمد بن عبد الله بن الحسن أبو الحسين بن اللبان البصري العلامة صاحب الفرائض سمع الحديث وبرع في الفرائض حتى إنه كان يقول: ليس في الدنيا فرضي إلا من أصحابي وأصحاب أصحابي أو لا يحسن شيئًا. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ذراعان وثماني أصابع. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وعشر أصابع. السنة السابعة عشرة من ولاية الحاكم منصور وهي سنة ثلاث وأربعمائة. فيها في يوم الجمعة سادس عشر المحرم قلد الشريف الرضي نقابة الطالبيين بسائر الممالك. وفيها أرسل الحاكم صاحب الترجمة كتابًا إلى السلطان محمود بن سبكتكين صاحب غزنة يدعوه إلى طاعته فبعث محمود بالكتاب إلى القادر بعد أن خرقه وبصق في وسطه. وفيها لم يحج أحد من العراق. وفيها توفي الحسن بن حامد بن علي بن مروان أبو عبد الله الفقيه الحنبلي الوراق كان مدرس الحنابلة وفقيههم وله مصنفات منها كتاب الجامع أربعمائة جزء. وهو شيخ القاضي أبي يعلى الفراء وكان معظمًا في النفوس مقدمًا عند السلطان وكان زاهدًا ورعًا ينسخ بالأجرة ويتقوت منه. وفيها توفي السلطان فيروز أبو نصر بهاء الدولة بن عضد الدولة بويه بن ركن الدولة حسن بن بويه بن فناخسرو الديلمي وقيل: اسمه خاشاد. وبهاء الدولة هذا هو الذي قبض على الخليفة الطائع وخلعه من الخلافة وولى القادر الخلافة عوضه وقد ذكرنا ذلك في وقته. وكان بهاء الدولة ظالمًا غشومًا سفاكًا للدماء حتى إنه كان خواصه يهربون من قربه. وجمع من المال ما لم يجمعه أحد من بني بويه إلا إن كان عمه فخر الدولة المقدم ذكره. ولم يكن في ملوك بني بويه أظلم منه ولا أقبح سيرة. وكان به مرض الصرع يصرع في دست الملك ورث ذلك عن أبيه ومات به في أرجان في يوم الاثنين خامس جمادى الآخرة وكانت مدة سلطنته أربعًا وعشرين سنة وتسعة أشهر وأيامًا ومات وله اثنتان وأربعون سنة وتسعة أشهر وحمل من أرجان إلى الكوفة. وتولى الملك من بعده ولده أبو شجاع بعهد منه. وفيها توفي قابوس بن وشمكير أمير الجبال بنيسابور وغيرها. كان أيضًا سيىء السيرة قتل جماعة من خواصه وحجابه ففسدت القلوب عليه ودبروا في قتله وقصدوا ابنه منوجهر ولا زالوا به حتى قبض على أبيه قابوس هذا وقتله بالبرد ثم قتل منوجهر جماعة ممن أشار عليه بقتل أبيه وندم حين لا ينفع الندم. وفيها توفي الشريف محمد بن محمد بن عمر العلوي أبو الحارث نقيب الطالبيين بالكوفة. كان شجاعًا جوادًا دينًا رئيسًا كانت إليه النقابة مع تسيير الحاج حج بالناس عشر سنوات وكان ينفق عليهم من ماله ويحمل المنقطعين رحمه الله. ومات بالكوفة في جمادى الآخرة. وفيها توفي علي بن محمد بن خلف الإمام أبو الحسن المعافري القيرواني القابسي الفقيه المالكي. كان عالم أهل إفريقية. حج وسمع جماعة وأخذ بإفريقية عن ابن مسرور الدباغ وغيره وكان حافظًا للحديث وعلله فقيهًا أصوليًا متكلمًا مصنفًا صالحًا وكان أعمى لا يرى شيئًا وهو مع ذلك من أصح الناس كتبًا وأجودهم تقييدًا يضبط كتبه ثقات أصحابه والذي ضبط له صحيح البخاري بمكة رفيقه أبو محمد الأصيلي. وفيها توفي محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن القاسم القاضي أبو بكر الباقلاني البصري صاحب التصانيف في علم الكلام سكن بغداد وكان في وقته أوحد زمانه صنف في الرد على الرافضة والمعتزلة والخوارج والجهمية. وذكره القاضي عياض في طبقات الفقهاء المالكية فقال: هو الملقب بسيف السنة ولسان الأمة المتكلم على لسان أهل الحديث وطريق أبي الحسن الأشعري وإليه انتهت رياسة المالكية. وفيها توفي محمد بن موسى أبو بكر الخوارزمي الحنفي شيخ الحنفية وعالمهم ومفتيهم انتهت إليه رياسة الحنفية في زمانه وكان تفقه على أبي بكر أحمد بن علي الرازي وسمع الحديث من أبي بكر الشافعي وروى عنه أبو بكر البرقاني. قال القاضي أبو عبد الله الصيمري بعدما أثنى عليه: وما شاهد الناس مثله في حسن الفتوى والإصابة فيها وحسن التدريس. وقد دعي إلى ولاية الحكم مرارًا فامتنع تورعًا. ومات في جمادى الأولى. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ذراعان وثلاث وعشرون إصبعًا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا واثنتا عشرة إصبعًا. السنة الثامنة عشرة من ولاية الحاكم منصور وهي سنة أربع وأربعمائة. فيها قلد فخر الملك الأمر ولقبه الخليفة القادر سلطان الدولة وعقد لواءه بيده وقرىء تقليده وفيها أبطل الحاكم المنجمين من بلاده وأعتق أكثر مماليكه وجعل ولي عهده ابن عمه عبد الرحيم بن إلياس وخطب له بذلك وأمر بحبس النساء في البيوت وصلحت سيرته. وفيها حج بالناس من العراق أبو الحسن محمد بن الحسن وكذلك في سنة خمس. وفيها كانت الملحمة الهائلة بين ملك الترك طغان وبين ملك الصين فقتل فيها من الكفار نحو من مائة ألف ودامت الحرب بينهم أيامًا ثم انتصر المسلمون أعني الترك ولله الحمد. وفيها استولى الحاكم على حلب وزال ملك بني حمدان منها. وفيها توفي إبراهيم بن عبد الله بن حصن أبو إسحاق الغافقي محتسب دمشق من قبل الحاكم وكان شهمًا في الحسبة أدب رجلًا فلما ضربه درة قال المضروب: هذه في قفا أبي بكرة فلما ضربه أخرى قال: هذه في قفا عمر فضربه أخرى فقال: هذه في قفا عثمان ثم ضربه أخرى فسكت. فقال له الغافقي: أنت ما تعرف ترتيب الصحابة أنا أعرفك وأفضلهم أهل بدر لأصفعنك على عددهم فصفعه ثلاثمائة وست عشرة درة فحمل من بين يديه فمات بعد أيام. قلت: إلى سقر. وبلغ الحاكم ذلك فأرسل يشكره ويقول: هذا جزاء من ينتقص السلف الصالح. قلت: لعل هذه الواقعة كانت صادفت من الحاكم أيام صلاحه وإظهاره الزهد والتفقه. وفيها توفي الحسين بن أحمد بن جعفر أبو عبد الله كان زاهدًا عابدًا لا ينام إلا عن غلبة وكان وفيها توفي علي بن سعيد الإصطخري أحد شيوخ المعتزلة صنف للقادر الرد على الباطنية وأجرى عليه القادر جراية سنية وحبسها من بعده على بنيه. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ثلاث أذرع سواء. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا سواء. السنة التاسعة عشرة من ولاية الحاكم منصور وهي سنة خمس وأربعمائة. فيها منع الحاكم النساء من الخروج من بيوتهن وقتل بسبب ذلك عدة نسوة. وفيها جلس الخليفة القادر ببغداد وأحضر العلويين والعباسيين والقضاة وأحضر الخلع السلطانية ماعدا التاج ولواء واحدًا وقرىء عهد أبي طاهر ركن الدين بن بهاء الدولة ولقبه بجلال الدولة وجمال الملة ركن الدين. قلت: وهذا أول لقب سمعناه في الإسلام أعني ركن الدين. ولا أدري متى لقب به ابن بهاء الدولة المذكور غير أنني سمعت من بعض علماء العجم أن ابن بهاء الدولة المذكور مشى بين يدي الخليفة القادر فقال له الخليفة: اركب ركن الدين فسمي بذلك. والله أعلم. وفيها توفي بدر بن حسنويه بن الحسين أبو النجم الكردي كان من أهل الجبال وولاه عضد الدولة الجبال وهمذان ودينور ونهاوند وسابور وتلك النواحي بعد وفاة أبيه حسنويه. وكان شجاعًا عادلًا كثير الصدقات. والخليفة القادر كناه أبا النجم ولقبه ناصر الدولة وعقد له لواء بيده. وفيها توفي بكر بن شاذان بن بكر أبو القاسم المقرىء الواعظ البغدادي قرأ القرآن وسمع الحديث وكان عابدًا زاهدًا وكانت وفاته في شوال. وفيها توفي عبد الله بن محمد بن عبد الله أبو محمد بن الأكفاني الحنفي القاضي الأسدي كان عالمًا دينًا ولد سنة ست عشرة وثلاثمائة. قال أبو إسحاق الطبري: من قال: إن أحدًا أنفق على العلم مائة ألف دينار غير أبي محمد بن الأكفاني فقد كذب. قلت: هذا هو العلم الخالص لوجه الله تعالى. وفيها توفي عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس الحافظ أبو سعيد كان أبوه من إستراباد وسكن سمرقند وصنف تاريخ سمرقند وعرضه على الدارقطني فاستحسنه وكان ثقة. وفيها توفي عبد السلام بن الحسين بن محمد أبو أحمد البصري اللغوي كان رجلًا فاضلًا عارفًا وفيها توفي عبد العزيز بن عمرو بن محمد بن يحيى بن حميد بن نباتة ونباتة بضم النون أبو نصر البغدادي كان من الشعراء المجيدين مات ببغداد في شوال. ومن شعره: وإذا عجزت من العدو فداره وامزج له إن المزاج وفاق فالنار بالماء الذي هو ضدها تعطي النضاج وطبعها الإحراق وفيها توفي عبد الغفار بن عبد الرحمن أبو بكر الدينوري لم يكن ببغداد مفت على مذهب سفيان الثوري غيره وهو آخر من أفتى بجامع المنصور على مذهب الثوري. قلت: لعل ذلك كان بالشرق وأما بالغرب فدام مذهب الثوري بعد هذا التاريخ عدة سنين. كان عبد الغفار عالمًا فاضلًا مناظرًا ومات في شوال. وفيها توفي محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم الحافظ أبو عبد الله الحاكم النيسابوري ويعرف بابن البيع الضبي ولد سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة كان أحد أركان الإسلام وسيد المحدثين وإمامهم في وقته والمرجوع إليه في هذا الشأن رحل إلى البلاد وصنف الكتب وسمع الكثير وروى عنه الجم الغفير ومات في صفر. وفيها توفي هبة الله بن عيسى كاتب مهذب الدولة البطائحي ووزيره كان فاضلًا راوية للأخبار وشاعرًا فصيحًا. الماء القديم ثلاث أذرع سواء. مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وإصبعان.
|