الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير العلام شرح عمدة الأحكام
.باب وجُوب الطّمَأنينة في الركوع والسجود: عَنْ أبي هُرَيرةَ رضيَ الله عَنْهُ أنَّ رَسُولَ- الله صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، ثمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «ارْجع فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ».فَرَجَعَ فَصَلى كَمَا صَلَّى، ثُم جَاءَ فَسَلمَ عَلى النَبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «ارْجعْ فَصَلِّ، فَإنَّكَ لَمْ تُصَل» ثلاثاً. فقال: وَالَّذِي بَعَثَكَ بالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيره فَعَلِّمْني. فقال: «إِذا قُمْتَ إلَى الصَّلاةِ، فَكَبِّرْ، ثم اقْرأ مَا تَيَسَّر مَعَكَ مِنَ الْقرْآنِ ثم اركعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعاً، ثمَّ ارفَعْ حَتَى تَعْتدِلَ قَائِماً، ثمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجداً، ثم ارْفعْ حَتَى تَطْمَئِنَّ جَالِساً. وَافْعَلْ ذلِكَ في صَلاتِكَ كُلِّهَاَ». المعنى الإجمالي: هذا حديث جليل يسميه العلماء حديث المسيء في صلاته وهو عمدتهم فيما يجب في الصلاة وما لا يجب، حيث جاء من النبي صلى الله عليه وسلم موضع الاستقصاء في التعليم والتبييِن لأعمال الصلاة، التي يجب الإتيان بها ويعتبر ما ترك في هذا الحديث من فعلها غير واجب كما سنوضحه فيما بعد، إن شاء الله تعالى. ومجمل هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجل من الصحابة، اسمه (خَلاّد بن رافع)، فصلى صلاة غير تامة الأفعال والأقوال. فلما فرغ من صلاته، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسلم عليه فرد عليه السلام ثم قال له: ارجع فَصَلِّ، فإنك لم تصل. فرجع وعمل في صلاته الثانية كما عمل في صلاته الأولى، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: ارجع فَصَلِّ فإنك لم تصل ثلاث مرات. فأقسم الرجل بقوله: والذي بعثك بالحق، ما أحسن غير ما فعلت فعَلِّمني , فعندما اشتاق إلى العلم، وتاقت نفسه إليه، وتهيأ لقبوله بعد طول الترديد قال له النبي صلى الله عليه وسلم ما معناه. إذا قمت إلى الصلاة فكبر تكبيرة الإحرام، ثم اقرأ ما تيسر من القرآن، بعد قراءة سورة الفاتحة ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع من الركوع حتى تعتدل قائما، وتطمئن في اعتدالك ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع من السجود واجلس حتى تطمئن جالساً. وافعل هذه الأفعال والأقوال في صلاتك كلها، ماعدا تكبيرة الإحرام، فإنها في الركعة الأولى دون غيرها من الركعات. في الحديث ثلاثة مباحث: المبحث الأول: في خلاف العلماء. فقد ذهبت الحنفية إلى صحة الصلاة بقراءة أي شيء من القرآن، حتى من قادر على الفاتحة مستدلين بقوله تعالى: {فَاقرأوا مَا تَيَسَّر مِنْهُ} وبإحدى روايات هذا الحديث: «ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن». وذهب الجمهور إلى عدم صحة الصلاة بدون الفاتحة لمن يحسن قراءتها. مستدلين بقوله عليه الصلاة والسلام: «لا صلاَةَ لِمَنْ لَم يَقرأْ بِفاِتحَة الكِتَاب» متفق عليه. فالتقدير: لا صلاة توجد، وعدم وجودها شرعا هو عدم صحتها وهذا هو الأصل في مثل هذا النفي. وأدلة عدم صحة الصلاة بدونها كثيرة. وأجابوا عن الآية بأنها جاءت لبيان القرآن في قيام الليل، يعني: اقرأوا ما تيسر من القرآن بعد قراءة الفاتحة بلا مشقة عليكم. وأجابوا عن الحديث، بأن هذه الرواية مجملة تفسرها الروايات الأخرى عند أبي داود وابن حبان: «ثم اقرَأ بِأم القُرآن وبِمَا شَاءَ الله». وقد سكت عنه أبو داود. وما سكت عنه فإنه لا قدح فيه. ولابن حبان في حديثه: «واقرأ بأم القرآن ثم اقرأ بما شئت». قال ابن الهمام: الأولى الحكم بأنه صلى الله عليه وسلم قال للمسيء في صلاته ذلك كله. ثم إن بعض العلماء يرى وجوب الفاتحة في الركعة الأولى دون غيرها, والجمهور يرى وجوبها في كل ركعة، ويدل له قوله: «ثم افْعَلْ ذلِكَ في صَلاَتِكَ كُلهَا». قال الحافظ ابن حجر: وحديث أبي قتادة في البخاري من أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ الفاتحة في كل ركعة مع قوله: «صلوا كما رأيتموني أصلي» دليل الوجوب. ثم اختلفوا في وجوب الطمأنينة في الاعتدال من الركوع والسجود. فذهب الحنفية إلى علم وجوبها. وذهب الجمهور إلى وجوبها، وحجتهم هذا الحديث الصحيح الصريح، وحديث البراء بن عازب أنه رَمَقَ صَلاةَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَ قيامَهُ، فَرَكعَتَهُ، فَاعتِدَالَهُ بَعدَ رُكُوعِهِ، فسجدتهُ، فَجَلْسَتهُ مَا بينَ التسلِيم وَالانْصِرَافِ، قَرِيباً مِنَ السَّوَاءِ متفق عليه. وتقدم الكلام عليه- وثبت أنه يقف في اعتداله بعد الركوع حتى يظن أنه قد نَسِىَ لإطالته- والأدلة على ذلك كثرة. وليس لدى الحنفية، دليل على ما ذهبوا إليه، ولا جواب صحيح على أدلة الجمهور الصحيحة الصريحة. المبحث الثاني: في كيفية الاستدلال بهذا الحديث على الواجبات في الصلاة وغير الواجبات. قال في سبل السلام: واعلم أن هذا حديث جليل، تكرر من العلماء الاستدلال به على وجوب كل ما ذكر فيه، وعدم وجوب كل ما لم يذكر فيه. أما الاستدلال على أن كل ما ذكر فيه واجب، فلأنه ساقه صلى الله عليه وسلم بلفظ الأمر بعد قوله: «لن تتم الصلاة إلا بما ذكر فيه». فيقوى مرتبة الحصر أنه صلى الله عليه وسلم ذكر ما تعلقت به الإساءة من عمل هذا المصلى، وما لم تتعلق به إساءته من واجبات الصلاة. وهذا يدل على أنه لم يقصر المقصود على ما وقعت فيه الإساءة فقط ولم يحدد موضع الإساءة من صلاة هذا الرجل. ولكنه عند أبي داود والترمذي والنسائي: «أنه أخف صلاته» وأئمة الحديث يجعلون هذا الحديث في باب وجوب الطمأنينة فلعل الإساءة راجعة إلى أن هذا الرجل نقر الصلاة فأخف أعمالها وأقوالها. وأما الاستدلال على أن كل ما لم يذكر فيه لا يجب، فلأن المقام مقام تعليم الواجبات في الصلاة. فلو ترك ذكر بعض ما يجب لكان فيه تأخير البيان عن وقت الحاجة، وهو لا يجوز بالإجماع، فإذا أحصيت ألفاظ الحديث الصحيح، أخذ منها بالزائد. ثم إن عارض الوجوب الدالة عليه ألفاظ هذا الحديث أو عدم الوجوب دليل أقوى منه عمل به. فكل موضع اختلف الفقهاء في وجوبه، وكان مذكورا في هذا الحديث فإننا نتمسك بوجوبه. وكل موضع اختلفوا في وجوبه ولم يكن مذكوراً في هذا الحديث فإنا نتمسك بعدم وجوبه، استنادا إلى هذا الحديث لأنه موضع تعليم. وإن جاءت صيغة أمر بشيء لم يذكر في هذا الحديث، احتمل أن يكون هذا الحديث قرينة على حمل الصيغة على الندب، واحتمل البقاء على الظاهر، فيحتاج إلى مرجح، للعمل به. المبحث الثالث: في الأحكام المأخوذة من هذا الحديث. 1- الأعمال المذكورة في هذا الحديث هي أركان الصلاة، التي لا تسقط سهواً ولا جهلاً. وهي تكبيرة الإحرام في المرة الأولى فقط، ثم قراءة الفاتحة في كل ركعة، ثم الركوع والاعتدال منه، ثم السجود والاعتدال منه، والطمأنينة في كل هذه الأفعال حتى في الرفع من الركوع والسجود، خلافا لمن لم يوجبوها في هذين الركنين مع استحبابهما عندهم. وبقي شيء من الأركان، كالتشهد، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والتسليم , قال النووي: إنها معلومة لدى السائل. 2- أن يفعل ذلك في كل ركعة، ماعدا تكبيرة الإحرام، ففي الأولى دون غيرها. 3- دل هذا الحدث على عدم وجوب ما لم يذكر فيه من أعمال الصلاة. لكن بعد الاطلاع على طرقه، والإحاطة بجميع ألفاظه، ليعلم المذكور كله فيؤخذ به. 4- وفيه دليل على وجوب الترتيب بين هذه الأعمال، لأنه ورد بلفظ ثم ولأنه مقام تعليم جاهل بالأحكام. 5- أن هذه الأركان للصلاة، لا تسقط لا سهواً ولا جهلاً، بدليل أمر المصلى بالإعادة، ولم يكتف النبي عليه الصلاة والسلام بتعليمه. 6- يدل هذا الحديث على عدم صحة صلاة المسيء، فلولا ذلك لم يؤمر بإعادتها. 7- يدل على أن الجاهل تجزئ منه الصلاة الناقصة، أما العالم فلا. 8- فيه دليل على مشروعية حسن التعليم والأمر بالمعروف، وأن يكون ذلك بطريق سهلة، لا عنف فيها، وأن الأحسن للمعلم أن يستعمل طريق التشويق في العلم، ليكون أبلغ في التعليم، وأبقى في الذهن. 9- وأنه يستحب للمسئول أن يزيد في الجراب إذا اقتضت المصلحة ذلك كأن تكون قرينة الحال تدل على جهل السائل ببعض الأحكام التي يحتاجها. 10- أن الاستفتاح، والتعوذ، ورفع اليدين، وجعلهما على الصدر، وهيئات الركوع والسجود والجلوس وغير ذلك كلها مستحبة. 11- وفيه أن المعلم يبدأ في تعليمه بالأهم فالأهم، وتقدم الفروض على المستحبات. 12- قال الصنعاني: واعلم أن حديث المسيء في صلاته قد اتسع فيه نطاق الكلام، وتجاذبت معانيه الأفهام، وقد كنا حققنا أنه لا يتم حمل النفي فيه على نفي الكمال، لما تقرر في علم النحو وعلم الأصول، أن كلمات النفي موضوعة لنفي الحقيقة، فقولك لا رجل في الدار نفي لحقيقة الرجل فيها، وهذا مما لا نزاع فيه، وأنه لا يحمل على خلافه من الكمال وغيره إلا لدليل. اهـ. .باب القِراءَة في الصَّلاة: مباحث هذا الباب، الكلام على قراءة الفاتحة في الصلاة، هل تصح الصلاة بدونها؟ والكلام على المواضع التيٍ يكتفي فيها بالفاتحة، والمواضع التي يشرع فيها بعد الفاتحة غيرها، والكلام أيضا على نوع القراءة بالنسبة للصلوات، ونحو ذلك من البحوث المتعلقة بالقراءة.الحديث الأول: عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضيَ الله عَنْهُ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا صَلاةَ لِمَنْ لمْ يَقْرأ بِفَاتِحَة الكِتَاب». المعنى الإجمالي: سورة الفاتحة، هي أم القرآن وروحه، لأنها جمعت أنواع المحامد والصفات العلى لله تعالى، وإثبات الملك والقهر، والمعاد والجزاء، والعبادة والقصد، وهذه أنواع التوحيد والتكاليف. ثم اشتملت على أفضل دعاء، وأجل مطلوب، وسؤال النجاة من سلوك طريق المعاندين والضالين، إلى طريق العالمين العاملين، كما أثبت كذلك الرسالة بطريق اللزوم. لذا فرضت قراءتها في كل ركعة، وأنيطَت صحة الصلاة بقراءتها، ونُفِيَتْ حقيقة الصلاة الشرعية بدون قراءتها. ويؤكد نفي حقيقتها الشرعية ما أخرجه ابن خزيمة عن أبي هريرة مرفوعاً وهو: «لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن». اختلاف العلماء: تقدم أن مذهب الحنفية أن المشروع عندهم قراءة الفاتحة في الصلاة، ولكنهم يجيزون الصلاة بدونها ولو من قادر عليها. والصحيح ما ذهب إليه الجمهور من تعيُّن الفاتحةَ مع القدرة عليها وتقدمت أدلة الفريقين هناك، وأجمعوا على وجوب قراءتها للإمام والمنفرد. واختلفوا في قراءتها للمأموم، فذهبت الحنابلة والحنفية إلى سقوطها عن المأموم مطلقاً، سواء أكان في صلاة سرية أم جهرية. وذهبت الشافعية وأهل الحديث إلى وجوب قراءتها لكل مصلٍّ، من إمام، ومأموم ومنفرد. وذهبت المالكية إلى وجوب قراءتها على المأموم في السرية، وسقوطها عنه في الجهرية، وهى رواية عن الإمام أحمد، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من المحققين. استدل الحنفية بحديث: «من صلى خلف إمام، فقراءة الإمام قراءة له» وقوله تعالى: {وإذَا قُرئ القرآن فَاستِمعوا لَهُ وأنصِتُوا} وحديث: «إذا قَرَأ فأنصِتوا». واستدل الشافعية ومن وافقهم بحديث عبادة الذي معنا. أجابوا عن حديث: «من صلى خلف الإمام» الخ... بما قاله ابن حجر من أن طرف كلها مطولة، فلا تقوم به حجة. وأما الآية وحديث: «إذا قرأ فأنصتوا» ونحوهما، فهي عمومات في كل قراءة، وحديث عبادة خاص بالفاتحة. قلت: ويطمئن القلب إلى التفصيل الذي ذهب إليه الإمام مالك والإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه لأن أدلة الفريقين تجتمع فيه، فيحصل العمل بها كلها. ولأن قراءة الفاتحة تفوت المأموم في السرية إذا لم يقرأها ولم يسمعها من الإمام ولا يكون للإمام فائدة ما دام المأموم يشتغل بالقراءة عن الإنصات للإمام كما يتعين قراءة الفاتحة على المأموم الذي لا يسمعها لبعد أو لطرش، على ألا يشغل ذلك من بجانبه من المصلين المنصتين. ما يؤخذ من الحديث: 1- وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة من الصلاة، وأنه لا يجزئ غيرها مع القدرة عليها. 2- بطلان الصلاة بتركها من المتعمد والجاهل والناسي، لأنها ركن، والأركان لا تسقط مطلقاً. 3- لكن تقدم أن الصحيح من الأقوال الثلاثة، أنها تجب على المأموم في الصلاة السرية، وتسقط عنه في الجهرية لسماع قراءة الإمام. الحديث الثاني: عَنْ أبي قَتادةَ الأنصَاري رضي الله عَنْهُ قَال: كان رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين الأولَيَيْن مِنْ صَلاةِ الظُّهْر بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ وسُورَتين، يُطَوّلُ في الأولَى ويُقَصِّرُ في الثانِيةِ يُسْمِعُنَا الآَيَةَ أَحْيَاناً. وكان يقرأ في العصرِ بِفَاتِحَةِ الكِتَاب وسُورَتين، يطَوّلُ في الأولَى ويُقصّر في الثانِيَةِ، وفي الركعَتين الأُخْريين بأم الكِتَابِ، وَكان يُطَوّلُ في الركعَةِ الأولَى في صَلاةِ الصُّبْحِ وَيُقصِّرُ في الثانيةِ. المعنى الإجمالي: كان النبي صلى الله عليه وسلم يراعي في صلاته المصلحة العامة للمصلين لذا كان من عادته أن يقرأ بعد سورة الفاتحة غيرها من القرآن في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر والعصر، لكون الناس في أول العبادة أنشط، وفي الركعتين الأخريين يقتصر على الفاتحة، خشية السأم والملل من المصلين لهذه الحكمة. وأيضا ليدرك المتخلفون كل الصلاة، كأن يطيل الركعة الأولى على الثانية في كيفية القراءة كميتها. وإن وراء هذا التشريع الحكيم من الأسرار والحكم والمصالح ما يجعل المؤمن يطمئن وتقر عينه. والخضوع والطاعة لأحكام الله تعالى هي المقصد الأسمى من العبادة. وكان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك أيضا في صلاة الصبح، فيطيل قراءة الأولى على الثانية. وكانت قراءته في الظهر والعصر سرا، إلا أنه قد يجهر ببعض الآيات، أحيانا، ليعلموا أنه يقرأ فيقتدوا به. ما يؤخذ من الحديث من الأحكام: 1- مشروعية القراءة بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر والعصر. 2- استحباب الاقتصار على الفاتحة في الركعتين الأخريين منهما. 3- تطويل الركعة الأولى على الثانية، من صلاة الظهر والعصر. 4- استحباب الإسرار بهاتين الصلاتين. 5- جواز الجهر ببعض الآيات، وخاصة لقصد التعليم. 6- استحباب تطويل الركعة الأولى على الثانية، من صلاة الصبح. 7- قال النووي: الوجه الثاني أنه يستحب تطويل القراءة في الركعة الأولى قصداً. وهذا المختار، وهو الموافق لظاهر السنة. الحديث الثالث: عن جُبَيرِ بن مُطْعِمٍ رَضي الله عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقرأ في المَغْرِب بِالطورِ. المعنى الإجمالي: العادة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يطيل القراءة في صلاة الصبح، ويقصرها في المغرب، ويتوسط في غيرهما من الصلوات الخمس. ولكنه قد يترك العادة فيقصر ما حقه التطويل لبيان الجواز، ولأغراض أخرى، كما في هذا الحديث من أنه قرأ في صلاة المغرب بسورة {والطور} وهي من طوال المفصل. ما يؤخذ من الحديث: 1- أن المشروع، هو الجهر في صلاة المغرب. 2- جواز إطالة القراءة فيها. الحديث الرابع: عَنِ الْبَرَاء بْن عَازِبٍ رضي الله عَنْهُمَا: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ في سَفَرٍ، فَصَلَّى العِشَاءَ الآخِرَة فَقَرَأ في إحْدَى الركعَتَين بالتين والزَّيْتونِ فَمَا سَمِعْتُ أحَداً أحْسَنَ صَوْتاً أوْ قِرَاءَةً مِنْهُ. المعنى الإجمالي: سورة التين من قصار المفصل التي تقرأ في صلاة المغرب. وقد قرأ بها النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العَشاء لأنه كان في سفر، والسفر يراعى فيه التخفيف والتسهيل لمشقته وعنائه، ولهذا استحب فيه قصر الصلاة الرُّباعية. ومع كون النبي صلى الله عليه وسلم مسافراً، فإنه لم يترك ما يبعث على الخشوع، وإحضار القلب على سماع القرآن، وهو تحسين الصوت في قراءة الصلاة. ما يؤخذ من الحديث: 1- جواز قراءة قصار المفصل، في صلاة العشاء. 2- أن الأحسن تخفيف الصلاة في السفر، ومراعاة حال المسافرين، ولو كان عند الإمام رغبة في التطويل. 3- استحباب تحسين الصوت في القراءة ولو في الصلاة، لأنه يبعث على الخشوع والحضور. الحديث الخامس: عَنْ عَائِشَةََ رضِيَ الله عَنْهَا: أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم بَعَث رَجُلاً عَلَى سَرِيَّةٍ، فَكَانَ يَقْرأُ لأصْحَابِهِ في صَلاتِهِمْ فَيَخْتِمُ بـ: {قُل هُوَ الله أحَدٌ}. فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذلِكَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «سَلُوهُ، لأي شَيْءٍ يَصْنَعُ ذلِكَ؟». فَسَألوهُ فَقَالَ: لأنَّهَا صِفَةُ الرحْمنِ عَزَّ وَجَلَّ، فأنَا اُحِبُّ أنْ أقْرَأهَا. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أخبِروهُ أنَّ الله تَعَالَى يُحِبُّهُ». المعنى الإجمالي: أمرَ النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه على سَرِيَّة. ومن عادة الأمراء أَنًهم هم الأئمة في الصلاة، والمفتون لفضل علمهم ودينهم، فكان يقرأ قل هو الله أحد في الركعة الثانية من كل صلاة. فلما رجعوا من غزوتهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ذكروا له ذلك فقال: سلوه لأي شيء يصنع ذلك، أهو لمحض المصادفة أم لشيء من الدواعي؟ فقال الأمير: صنعت ذلك لاشتمالها على صفة الرحمن عز وجل، فأنا أحب تكريرها لذلك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبروه، أنه كما كرر هذه السورة لمحبته لصفة الرحمن، فإن الله يحبه. ويا لها من فضيلة. ما يؤخذ من الحديث: 1- جواز قراءة قصار المفصل، حتى في غير صلاة المغرب من الفرائض. 2- فضل سورة الإخلاص واستحباب قراءتها. 3- أن تفضيل بعض القرآن على بعض، عائد لما يحتوى عليه المفضَّل من تمجيد الله والثناء عليه. فهذه السورة الكريمة الجليلة تشمل توحيد الاعتقاد والمعرفة وما يجب إثباته للرب من الأحدية المنافية للشريك والصمدية المثبتة لله تعالى جميع صفات الكمال ونفي الوالد والولد، الذي هو من لوازم غناه ونفى الكفء المتضمن نفي المشابه والمماثل والنظير ولذا فهي تعدل ثلث القرآن. 4- أن الأعمال يكتب ثوابها بسبب ما يصاحبها من نية صالحة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالسؤال عن القصد من تكريرها. 5- أنه ينبغي أن يكون أصحاب الولايات والقيادات من أهل العلم والفضل والدين. 6- أنه من أحب صفات الله وَتَذوَّق حلاوة مناجاته بها فالله يحبه، لأن الجزاء من جنس العمل. 7- أن إخبار الوالي الأكبر عن أعمال الأمراء والعمال لقصد الإصلاح لا يُعَدُّ وشاية ولا نميمة. الحديث السادس: عَنْ جَابِرٍ رضي الله عَنْهُ: أن رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لِمُعَاذٍ: «فلَوْلا صَليْتَ بـسبحِ اسمَ رَبِّكَ الأعلَى, الشمس وَضُحَاهَا,الليلِ إذا يَغْشَى. فَإنَّهُ يُصَلي وَراَءكَ الكَبِيرُ وَالضعِيفُ وَذُو الحاجة» المعنى الإجمالي: لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم في أن مُعاذاً يطيل القراءة حين يؤم قومه، أرشده إلى التخفيف ما دام إماماً، وضرب له مثلا بقراءة متوسط المفصّل سبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى، لأنه يأتم به الكبار المسنون، والضعفاء، وأصحاب الحاجات ممن يشق عليهم التطويل، فيحسن الرفق بهم ش تستحب مراعاتهما بالتخفيف. أما إذا كان المسلم يصلي وحده، فله أن يطول ما شاء. الأحكام المأخوذة من الحديث: 1- أن المتوسط في القراءة في الصلاة هذه السور المذكورة في الحديث، وأمثالها. 2- أنه يستحب للإمام مراعاة الضعفاء، بتخفيف الصلاة في حال ائتمامهم به. 3- أن سياسة الناس بالرفق واللين، هي السياسة الرشيدة التي تحبب إليهم ولاتهم وعمالهم. 4- حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم وملاطفته، إذ خاطب معاذاً بصيغة العرض. 5- رأفته صلى الله عليه وسلم بأمته، لاسيما الضعفاء منهم، وأصحاب الحاجات. الحديث السابع: عَنْ أنَسِ بن مَالِكٍ رضيَ الله عَنْهُ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وَأبَا بَكْر وَعُمَرَ رَضيَ الله عَنْهُمَا كَانُوا يَفتَتِحُونَ الصَّلاةَ بـ الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ. وفي رواية: صَلَيتُ مَع أبي بَكرٍ وَعُمَرَ وَعُثمانَ، فَلَمْ أسمَعْ أحَداً مِنْهُمْ يَقرأ بِسْم الله الرَّحمنِ الرحِيمِ. ولـ مسلم: صَليْتُ خَلْفَ النَبي صلى الله عليه وسلم وأبي بَكرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمانَ رضيَ الله عَنْهُمْ، فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الصلاةَ بـالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أوّلَ قِرَاءَةٍ وَلا في آخِرِهَا. المعنى الإجمالي: يذكر أنس بن مالك، رضي الله عنه: أنه- مع طول صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم وملازمته له ولخلفائه الراشدين- لم يسمع أحداً منهم يقرأ {بسم الله الرحمن الرحيم} في الصلاة، لا في أول القراءة، ولا في آخرها، وإنما يفتتحون الصلاة بـ الحمد لله رب العالمين. اختلاف العلماء: ذهب الأئمة الثلاثة، أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد، إلى استحباب البسملة في الصلاة. وذهب الإمام مالك: إلى عدم مشروعيها. واستدل مالك ببعض الروايات في حديث أنس: لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها، ولأنها- عنده- ليست آية من القرآن. واستدل الأئمة الثلاثة على مشروعيتها بأحاديث كثيرة: منها حديث أبي هريرة حيث صلى فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، حتى بلغ ولا الضالين، حتى إذا أتم الصلاة قال: إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم رواه البخاري. ثم اختلف الأئمة في الحكم بالجهر بها. فذهب إلى مشروعيته، الإمام الشافعي. وذهب إلى مشروعية الإسرار، أبو حنيفة، وأحمد. واستدل الشافعي وأتباعه بحديث أنس، حين سئل عن كيفية قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كانت مدّاً، ثمَّ قرأ بسم الله الرحمن الرحيم بمد بسم الله، وبمد الرحمن، وبمد الرحيم رواه البخاري. وبحديث أم سلمة حين سئلت عن قراءته أيضاً، فقالت: كان يقطع قراءته آية آية بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيم الْحَمدُ لله رَبِّ العالمين الرحمن الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْم الدينِ. رواه أحمد، وأبو داود. ولا يتم للشافعي بهذين الحديثين وأمثالهما، استدلال فيما ذهب إليه. فإنهما يدلان على صفة قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، لا على أنه يجهر بالبسملة في الصلاة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: روينا عن الدارقطني أنه قال: لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الجهر (بالبسملة) حديث. واستدل الإمامان أبو حنيفة وأحمد بأحاديث الباب قال ابن دقيق العيد: والمتيقن من هذا الحديث عدم الجهر، فأنس- صحب النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، وصحب الخلفاء الثلاثة خمسا وعشرين (سنة) و(كان) يصلي خلفهم الصلوات كلها. ويحملون نَفْئَ القراءة في بعض الروايات، على عدم الجهر بها، وبهذا تجتمع الأدلة، ويحصل العمل بها جميعاً. ما يؤخذ من الأحكام: 1- مشروعية قراءة بسم الله الرحمن الرحيم بعد الاستفتاح والتعوذ قبل الفاتحة. 2- أن تكون قراءتها سراً، ولو في الصلاة الجهرية. 3- أن البسملة، ليست آية من الفاتحة. |