الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير العلام شرح عمدة الأحكام
.باب صفَة صَلاة النَّبي صلى الله عليه وسلم: يذكر المصنف في هذا الباب طرفاً من الأحاديث الصحيحة في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وصلاته هي الصلاة التامة الكاملة، التي لا يتطرق إليها النقص أو الخلاف، وهو المشرع صلى الله عليه وسلم، فيجب اتباعه، وتقديم سنته على كل قول.وقد قال صلى الله عليه وسلم: «صَلُّوا كما رأيتموني أصَلى» فيجب علينا معرفة صلاته ومراعاتها. ونظرا إلى أن أفعاله صلى الله عليه وسلم بيان للأوامر الموجبة لفعل الصلاة، فإن أفعاله في صلاته صلى الله عليه وسلم تدل على الوجوب. ومن صرفها عنه إلى غيره فعلية تقديم الدليل. الحديث الأول: عَنْ أبي هريرة رضيَ الله عَنْهُ قال: كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذَا كَبَّرَ في الصَّلاةِ سَكَتَ هُنَيْهَةً قَبْل أن يَقْرَأ، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ الله بأبي أنْتَ وأمي، أرَأيتُ سُكُوتَكَ بين التَكْبِيرِ وَالقِراءةِ، ما تَقُولُ؟.قَالَ: «أقَول: اللهم بَاعِدْ بيني وَبَيْنَ خَطايَايَ كَمَا بَاعدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، الّلهُمَّ نَقني من خَطايَايَ كَمَا يُنَقى الثًوْبُ اَلأبيض من الدنس، اللهمَّ اغْسِلني مِنْ خَطَايايَ بِالْماء والثلج والبرد». غريب الحديث: 1- هنيهة: قال في القاموس (الْهِنو) بالكسر، الوقت. وفي الحديث هُنَيَّة مصغرة هَنة، وهي بضم الهاء، وفتح النون وتشديد الياء. بمعنى قليل من الزمان. وأصلها هَنْوَةٌ أي شيء يسير، ويروى هُنَيهَة بإبدال الياء هاء. قلت: المراد هنا: أن يسكت سكتة لطيفة. 2- «الثلج والبَرَد»: البرد، بالتحريك، حب الغمام. 3- أرَأيتُ سكوتك: بضم تاء رأيت. والمراد بالسكوت ضد الجهر لا ضد الكلام. ويدل عليه عبارة ما تقول؟. 4- «الدنس»: بفتح الدال والنون: الوسخ. 5- بأبي أنت وأمي: الباء متعلقة بمحذوف، والتقدير أنت مفديّ بأبي وأمي. المعنى الإجمالي: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كبر للصلاة تكبيرة الإحرام، خفض صوته مدة قليلة، قبل أن يقرأ الفاتحة. وكان الصحابة يعلمون أنه يقول شيئاً في هذه السكتة لذا قال أبو هريرة: أفديك يا رسول الله بأبي وأمي، ماذا تقول في هذه السكتة التي بين التكبير والقراءة. فقال: أقول: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب،اللهم نقني من خطاياي،كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد». وهذا دعاء في غاية المناسبة في هذا المقام الشريف، موقف المناجاة، لأن المصلى يتوجه إلى الله. تعالى في أن يمحو ذنوبه وأن يبعد بينه وبينها إبعاداً لا يحصل معه لقاء، كما لا لقاء بين المشرق والمغرب أبداً،وأن يزيل عنه الذنوب والخطايا وينقيه منها، كما يزال الوسخ من الثوب الأبيض الذي يظهر أثر الغسل فيه، وأن يغسله من خطاياه ويبرد لهيبها وحرها،- بهذه المنقيات الباردة الماء، والثلج، والبرد. وهذه تشبيهات، في غاية المطابقة. أحكام الحديث: 1- استحباب دعاء الاستفتاح في الصلاة. 2- أن مكانه بعد تكبيرة الإحرام وقبل قراءة الفاتحة في الركعة الأولى من كل صلاة. 3- أن يُسِرَّ به ولو كانت الصلاة جهرية. 4- أنه لا يطال فيه الدعاء، ولاسيما في الجماعة للصلوات المكتوبة. 5- حرص الصحابة رضي الله عنهم على أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم في حركاته وسكناته. 6- أنه ينبغي في مواطن الدعاء أن يُلح الإنسان ويكثر في طلب الشيء، ولو بطريق ترادف الألفاظ. فإن هذه الدعوات تدور كلها على مَحْو الذنوب والإبعاد عنها، ومعاني الماء والثلج، والبرد، متقاربة. والمقصود منه متحد. وهو الإنقاء من حرارة الذنوب بهذه المواد الباردة. فائدتان: الأولى: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم استفتاحات كثيرة للصلاة. منها هذا الدعاء الذي معنا: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي...» إلخ. ومنها: «وَجّهْت وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَر السموَاتِ والأرض...» إلخ. ومنها: «سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك...» إلخ. وكلها جائزة، لأنها واردة. ولكن الإمام أحمد اختار الأخير منها. «سبحانك اللهم...» إلخ لكونه محتوياً على تمجيد الله، وتعظيمه، ووحدانيته. وكان عمر يجهر به ليعلمه للناس. وينبغي للمصلي أن لا يقتصر دائماً على واحد منها، بل يقولها كلها، ليحصل له كمال الاقتداء، وإحياء جميع السنة فيها، ويجعل القصار لصلاة الجماعة، والطوال لصلاة الليل. الثانية: من المعلوم أن الماء الساخن أبلغ في إزالة الأوساخ والإنقاء مما هو مذكور في الدعاء المأثور. فكيف عدل عنه إلى الثلج والبرد، مع أن المقصود طلب الإنقاء والتنظيف. الجواب: قد حصل من العلماء تَلمّسات كثيرة في طلب المناسبة. وأحسنها ما ذكره ابن القيم عن شيخ الإسلام ومعناه: لما كان للذنوب حرارة، ناسب أن تكون المادة المزيلة هذه الباردة، لتطفئ هذه الحرارة وذاك التلهب. الحديث الثاني: عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يسْتَفْتِحُ الصلاةَ بِالتَّكْبِيرِ، وَالْقِرَاءةِ بـ: {الْحمْدُ لله رَب الْعَالَمِينَ}. وَكَانَ إذا رَكَعَ لَمْ يُشْخِصْ رأسه وَلَمْ يُصَوِّبْهُ وَلكِنْ بَيْنَ ذَلكَ. وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رأسه مِنَ الركوعِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوي قَائِماً. وَكَانَ إذَا رَفع رَأسَهُ مِنَ السًجْدَةِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَستَوِيَ قاعدا، وكانَ يقولُ في كُلّ ركْعَتَيْن التّحيّةَ. وَكَانَ يَفْرش رجلَهُ اليُسْرَى وَيَنْصِب رجله الْيُمْنىَ. وكان ينهى عَنْ عُقبَةٍ الَشَّيْطَان ويَنْهَى أنْ يَفتَرِش الرجُلُ ذِراعَيْهِ افتراش السبعِ، وَكان يَخْتِمُ الصّلاةَ بالتّسْلِيم. المعنى الإجمالي: تصف عائشة رضي اللَه عنها بهذا الحديث الجليل صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بأنه كان يفتتح الصلاة بتكبيرة الإحرام، فيقول: «الله أكبر». ويفتتح القراءة بفاتحة الكتاب، التي أولها {الحمد لله رب العالمين}. وكان إذا ركع بعد القيام، لم يرفع رأسه ولم يخفضه، وإنما يجعله مستوياً مستقيماً. وكان إذا رفع من الركوع انتصب واقفاً قبل أن يسجد. وكان إذا رفع رأسه من السجدة، لم يسجد حتى يستوي قاعداً. وكان يقول بعد كل ركعتين إذا جلس: «التحيات لله والصلوات...» إلخ. وكان إذا جلس، افترش رجله اليسرى وجلس عليها، ونصب رجله اليمنى. وكان ينهى أن يجلس المصلى في صلاته كجلوس الشيطان، وذلك بأن يفرش قدميه على الأرض، ويجلس على عقبيه، أو ينصب قدميه، ثم يضع أليتيه بينهما على الأرض، كما ينهى أن يفترش المصلي ذراعيه في السجود كافتراش السبع، وكما افتتح الصلاة بتعظيم الله وتكبيره، ختمها بطلب السلام للحاضرين من الملائكة والمصلين ثم على جميع عباد اللَه الصالحين، والأولين والآخرين، فعلى المصلى ملاحظة هذا العموم في دعائه. ملاحظة: هذا الحديث لم يخرجه إلا مسلم فقط، وله علة، وهي أنه أتى من طريق أبي الجوزاء عن عائشة. وأبو الجوزاء لم يسمع من عائشة. وأخرجه مسلم أيضاً من طريق الأوزاعي، مكاتبةً، لا سماعاً. غريب الحديث: 1- بالحمدُ لله: الرفع على الحكاية. 2- لم يشخِص: بضم الياء وإسكان الشين المعجمة، ثم كسر الخاء المعجمة، ثم صاد مهملة. أي لم يرفعه، ومنه الشاخص للمرتفع. 3- لم يُصَوِّبه: بضم الياء، وفتح الصاد المهملة. كسر الواو المشددة. أي لم يخفضه خفضاً بليغاً. 4- يفرُش: بضم الراء وكسرها، والضم أشهر. 5- عُقبة: بضم العين. فسره أبو عبيد وغيره بالإِقعاء المنهي عنه. 6- يستفتح: أي يفتح فالسين للتأكيد لا للطلب. أحكام الحديث: 1- ما ذكرته عائشة هذا من صفة صلاة النبي عليه الصلاة والسلام، هو حاله الدائمة. حيث إن التعبير بـ كان يفيد ذلك. 2- وجوب تكبيرة الإحرام التي تحرم كل قول وفعل ينافي أقوال الصلاة وأفعالها، وأن غير هذَه الصيغة لا يقوم مقامها للدخول في الصلاة وتعيين التكبيرة من الأمور التعبدية وهي أمور توقيفية. 3- وجوب قراءة الفاتحة بدون بسملة، ويأتي استحباب قراءتها سرّاً إن شاء الله. 4- وجوب الركوع، والأفضل فيه الاستواء، بلا رفع، ولا خفض. 5- وجوب الرفع من الركوع، ووجوب الاعتدال في القيام بعده. 6- وجوب السجود، ووجوب الرفع منه، والاعتدال قاعداً بعده. 7- وجوب التشهد بعد كل ركعتين، فإن كانت الصلاة ثنائية سلم بعده،، وإلا قام. 8- مشروعية افتراش المصلى رجله اليسرى ونصب اليمنى في الجلوس في غير التشهد الأخير الذي فضيلته التورك. فقد وردت بذلك الأحاديث والافتراش والتورك خاص بالرجال دون النساء، لما أخرجه أبو داود في المراسيل من أنه صلى الله عليه وسلم مر على امرأتين تصليان فقال: إذا سجدتما فضما بعض اللحم إلى الأرض فإن المرأة ليست في ذلك كالرجال. رواه البيهقي موصولا. 9- النهي عن مشابهة الشيطان في جلوسه، وذلك بأن يجلس على عقبيه ويفرش قدميه على الأرض، أو ينصبهما ويجلس بينهما على الأرض، أو ينصبهما ويجلس على عقبيه. قال في شرح المنتهى: وكلتا الجلستين مكروه. 10- النهي عن مشابهة السبع في افتراشه، وذلك بأن يبسط المصلى ذراعيه في الأرض، فإنه عنوان الكسل والضعف. 11- وجوب ختم الصلاة بالتسليم، وهو دعاء للمصلين والحاضرين والغائبين الصالحين بالسلامة من كل الشرور والنقائص. اختلاف العلماء: الصحيح عند الأصوليين: أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم لا تدل على الوجوب، وإنما تدل على الاستحباب إلا إذا ورد ما يقتضي ذلك. وهذه الأفعال والأقوال الموصوفة في هذا الحديث، تدل على الوجوب، باقتران حديث: «صَلُّوا كَمَا رأيتموني أصَلى» متفق عليه. وهذا الأصل فيها لكن يوجد في وجوب بعضها خلاف بين العلماء، لتعارض الأدلة. فمن ذلك التشهد الأول، والجلوس له في الصلاة ذات التشهدين. فقد ذهب الإمام أحمد والليث وإسحاق وداود وأبو ثور والشافعي في إحدى الروايتين عنه: إلى وجوبهما. مستدلين بالأحاديث الواردة في التشهد من غير تقييد بتشهد أخر. فمنها هذا الحديث الذي معنا، ومنها حديث عبد الله بن مسعود الذي رواه النسائي، ورواه الإمام أحمد من طرق رجالها ثقات وهو أن محمداً صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا: التحيات لله...» إلخ. وذهب الأئمة أبو حنيفة ومالك والشافعي في الرواية الأخرى عنه، إلى استحبابها. ودليلهم أن النبي صلى الله عليه وسلم تركهما سَهْواً، ولم يرجع إليهما. ولم ينكر على الصحابة حين تابعوه على تركهما، وإنما جبروهما بسجود السهو. والجواب: أن الرجوع إليهما إنما يجب إذا ذكر المصلى قبل أن يعتمد قائماً. لما روى أبو داود، عن المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا قام أحدكم في ركعتين، فلم يستتم قائماً، فليجلس، فإذا استتم قائماً فلا يجلس، ويسجد سجدتي السهو» وسجود السهو يجبر الواجب والمسنون. واختلفوا في الصفة المستحبة في الجلوس. فذهبت الحنفية إلى الافتراش في جميع جلسات الصلاة، سواء بين السجدتين أو التشهدين، الأول، أو الأخير. ويقابلهم المالكية، فهم يرون مشروعية التورك في كل جلسات الصلاة سواء ما كان منها للتشهدين أو كان بين السجدتين. وذهبت الشافعية إلى الافتراش في التشهد الأول من الصلاة ذات التشهدين وإلى التورُّك في التشهد الأخير، سواء كانت الصلاة ثنائية أم أكثر من ذلك. وذهبت الحنابلة إلى الافتراش في التشهد الأول، وفي التشهد الأخير إذا كانت الصلاة ليس فيها إلا تشهد واحد، وإلى التورُك في التشهد الأخير من الصلاة، ذات التشهدين. ودليل الحنفية، ما رواه سعيد بن منصور، عن وائل بن حُجْر قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قعد وتشهد، فرش قدمه اليسرى على الأرض وجلس عليها. وما رواه أحمد عن رفاعة بن رافع: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي: «إذا جلست، فاجلس على رجلك اليسرى». وبما أخرجه الترمذي وصححه، من حديث أبي حميد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس- يعنى للتشهد- فافترش رجله اليسرى، وأقبل بصدر اليمنى على قبلته. وأما صفة الجلوس بين السجدتين فهو الافتراش عند الشافعية والحنابلة. ووجه الدلالة: من هذه الأحاديث أن رواتها ذكروا الافتراش للتشهد، ولم يقيدوه بالأول. واقتصارهم عليها بلا تعرض لغيرها، يشعر بأن هذه الصفة للتشهدين جميعاً. ودليل المالكية مال روى عن عبد الله بن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس في وسط الصلاة وفي آخرها متوركاً. رواه أحمد في مسنده قال الهيثمي: ورجاله مُوَثَّقُون. ودليل الشافعية والحنابلة: أن الأحاديث التي وردت في الافتراش في التشهد برواتها التشهد الأول، حيث ورد في البخاري عن أبي حميد الساعدي قوله: فإذا جلس في الركعة الأخيرة، قدم رجله اليسرى، ونصب الأخرى وقعد على مقعدته. وما ذكره مسلم من حديث عبد الله بن الزبير: أنه صلى الله عليه وسلم كان يجعل رجله اليسرى بين فخذه وساقه، ويفرق قدمه اليمنى. وفي حديث أبي حميد أيضاً، عند أبي حاتم في صحيحه وفيه حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم، أخرج رجله اليسرى، وجلس على شقه الأيسر متوركاً. ولكن وقع اختلاف بين الشافعية والحنابلة، في الصلاة التي ليس فيها إلا تشهد واحد. فالشافعية يرون أن فيه التورك، لأن قوله في حديث أبي حميد: فإذا جلس في الركعة الأخيرة.. الخ عام في الجلوس الأخير كله، سواء كان في صلاة ثنائية، أو غيرها. والحنابلة يقولون: إن التورك خاص بالتشهد الأخير من الصلاة ذات التشهدين. ويرون أن سياق حديث أبي حميد يدل على ذلك، لأنه ذكر صفة جلوسه في التشهد الأول وقيامه منه، ثم ذكر التورك، وقصد به التشهد الأخير. وعللوا لذلك، بأن التورك بالصلاة ذات التشهدين، ليكون فرقاً بين الجلوسين. وإذا كان مفترشاً في الأول صار مستعدّا للقيام، متهيئاً له، أما الثاني، فيكون فيه متوركا، لأنه مطمئن. ورجح ابن القيم هذا الافتراش في زاد المعاد ولكن ردَّ قوله الشوكاني في نيل الأوطار والله أعلم. وأفضل التشهد، تشهد عبد الله بن مسعود، وهو أصحها، ولذا فقد أجمع العلماء على اختياره. وصفته: التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحيِن، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. وأجمع العلماء على مشروعية التسليم، ولكن اختلفوا: هل المشروع تسليمتان أو تسليمة واحدة؟ والصحيح أن المشروع تسليمتان، لصحة أحاديثهما، وضعف أحاديث التسليمة الواحدة. وعلى فرض صحة أحاديث التسليمة، فإن أحاديث التسليمتين أتت بزيادة لا تنافى، والزيادة من الثقة مقبولة. واختلفوا في وجوب التسليم. فذهبت الحنفية إلى عدم وجوبه، مستدلين بما أخرجه الترمذي، عن ابن عُمر: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رفع الإمام رأسه من السجدة وقعد ثم أحدث قبل التسليم، فقد تمت صلاته». واستدلوا بحديث المسيء في صلاته، حيث لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالتسليم. وأجيب بأن حديث ابن عمر، اتفق الحفاظ على ضعفه. وقال الترمذي: هذا حديث إسناده ليس بذاك القوى. أما حديث المسيء فلا ينافي الوجوب، فإن هذا زيادة،وهي مقبولة. وذهب جمهور الصحابة والتابعين، ومن أصحاب المذاهب، الشافعية، والحنابلة إلى الوجوب، مستدلين بإدامة النبي صلى الله عليه وسلم له، مع قوله: «صلوا كما رأيتموني أصلى» وبما ثبت عند أصحاب السنن: «تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم». الحديث الثالث: عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ رضيَ الله عَنْهُمَا: أنَّ النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلاةَ، وَإذَا كبر لِلرُّكوعِ، وَإذَا رَفَعَ رَأسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفعَهُمَاِ كَذلِك، وقَال: سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَتا وَلَكَ الْحَمْدُ. وَكَان لاَ يَفعَلُ ذلِكَ في السُّجودِ. المعنى الإِجمالي: الصلاة مأدبة كريمة، جمعت كل ما لذَ وطاب، فكل عضو في البدن، له فيها عبادة خاصة. ومن ذلك، اليدان فلهما وظائف، منها رفعهما عند تكبيرة الإحرام زينة للصلاة، وإشارة إلى الدخول على الله، ورفع حجاب الغفلة، بين المصلى، وبين ربه، ويكون رفعهما إلى مقابل منكبيه، ورفعهما أيضاً للركوع في جميع الركعات، وإذا رفع رأسه من الركوع، في كل ركعة. وفي هذا الحديث، التصريح من الراوي: أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يفعل ذلك في السجود. اختلاف العلماء: أجمع العلماء على مشروعية رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام لتواتر الأحاديث في ذلك، حيث رُوِيَ عن خمسين صحابياً، منهم العشرة المبشرون بالجنة. واختلف العلماء في رفع اليدين عند غيرها. فذهب جمهور الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم- ومنهم الإمامان، الشافعي وأحمد-: إلى استحباب ذاك، في هذه الثلاثة المواضع المذكور في هذا الحديث. قال ابن المديني: هذا الحديث حجة على الخلق، ومن سمعه فعليه أن يعمل به. وقال ابن القيم روي الرفع عنه صلى الله عليه وسلم في هذه المواطن الثلاثة نحو من ثلاثين نفسا، واتفق على روايتها العشرة. وقال الحاكم: لا نعلم سنة اتفق على روايتها الخلفاء الأربعة، ثم العشرة، فمن بعدهم من أكابر الصحابة غير هذه السنة. وفي رواية عن الإمام أحمد اختارها المجد، وحفيده شيخ الإسلام ابن تيمية وصاحبا الفائق والفروع واختيار شيخنا عبد الرحمن السعدي ورواية للإمام الشافعي. وطائفة من أصحابه، وجماعة من أهل الحديث: أن رفع اليدين يستحب في موضع رابع، وهو إذا قام من التشهد الأول في الصلاة ذات التشهدين. لما روي البخاري عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله. ولما في حديث أبي حميد عند أبي داود، والترمذي وصححه: ثم إذا قام من الركعتين، رفع يديه حتى يحاذى بهما منكبيه. وذهب مالك في أشهر الروايات عنه، وأبو حنيفة: إلى أنه لا يستحب رفع اليدين في غير تكبيرة الإحرام. وحجتهم حديث البراء بن عازب عند أبي داود رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة، رفع يديه، ثم لم يعد. وقد اتفق الحفاظ على أنه قوله ثم لم يعد مدرجة من يزيد بن أبي زياد أحد رواة الحديث. واحتجوا أيضا بما روى عن ابن مسعود، عند أحمد، وأبي داود، والترمذيٍ لأصليَنَّ لَكُمْ صَلاةَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَصَلى فَلَم يَرْفعْ يَدَيْهِ إِلا مَرة وَاحِدَةً حسنه الترمذي، وصححه ابن حزم. ولكنه لم يثبت عند ابن مبارك، وعده ابن أبي حاتم خطأ، وصرح أبو داود بأنه ليس بصحيح بهذا اللفظ. فتلخص من هذا استحباب رفع اليدين في المواضع الأربعة وهي: 1: عند تكبيرة الإحرام، 2: وعند الركوع، 3: وبعد الرفع منه، 4: وبعد القيام من التشهد الأول. ما يؤخذ من الحديث: 1- استحباب رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام بإجماع العلماء وعند الركوع وبعد الرفع منه عند الجمهور. 2- أن يكون الرفع إلى مقابل المنكبين. 3- أن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يفعل الرفع في السجود. 4- حكم الله في ذلك كثيرة، وأجمع العلماء على أنه عبادة لليدين. وتلمسوا حكما أخرى. فمنهم من قال: وزينة للصلاة. ومنهم من قال: رفع لحجاب الغفلة بين العبد وربه. وقالوا بتحريك القلب بحركة الجوارح. وقال الشافعي: تعظيم الله واتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم. لا منافاة بين هذه الأقوال وغيرها. فلله في شرائعه حِكَمٌ وأسرار كثيرة. والخضوع والطاعة للّه تعالى من أجل الحكم والأسرار. الحديث الرابع: عَنْ عَبْدِ الله بن عباس رضيَ الله عَنْهُمَا قالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أمِرْت أنْ أسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أعظُمٍ: عَلَى الجبهة (وأشار بيده إلى أنفه) واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين». المعنى الإجمالي: أمر الله تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يسجد له على سبعة أعضاء، هي أشرف أعضاء البدن وأفضلها. الأولى منها: الجبهة مع الأنف. والثاني والثالث: اليدين، يباشر الأرض منهما بطونهما. والرابع والخامس: الركبتان، والسادس والسابع: أطرا ف القدمين، موجهاً أصابعهما نحو القبلة، وأمره صلى الله عليه وسلم أمر لأمته، لأنه تشريع عام. اختلاف العلماء: أجمع العلماء على مشروعية السجود على هذه الأعضاء السبعة، واختلفوا في الواجب منها. والذي يدل عليه هذا الحديث الصحيح أن السجود، واجب عليها كلها، وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى: ويرى بعض العلماء أن الواجب الجبهة، والباقي مستحب. ويرى أبو حنيفة، أن الأنف يجزئ عن الجبهة، والصحيح القول الأول. ما يؤخذ من الحديث: 1- وجوب السجود على هذه الأعضاء السبعة جميعها وهو مذهب الإمام أحمد، والوجوب مأخوذ من الأمر. وفي السجود على هذه الأعضاء أداء لواجب السجود وتعظيم لله تعالى وإظهار للذل والمسكنة بين يديه. 2- أن الأنف تابع للجبهة، وهو متمم للسجود، وعليه فلا تكفي بدونه. فائدتان: الأولى: أنه لا بأس بالسجود على حائل سوى أعضاء السجود، فإنه يحرم أن يضع جبهته على يديه أثناء ذلك، لأن يديه من الأعضاء المتصلة بالسجود. ويكره السجود على ما اتصل به من ثوب وعمامة إلا مع حاجة، كالحر، والبرد، والشوك، وخشونة الأرض، فلا يكره حينذاك. ولا يكره السجود أيضا على حائل غير متصل به، كسجادة ونحوها. الثانية: أن يضع أعضاء سجوده بالترتيب الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله. وهو أن يضع ركبتيه، ثم يديه، ثم جبهته مع أنفه، ولا يبرك كما يبرك البعير، بحيث يقدم يديه قبل ركبتيه، فقد نهى صلى الله عليه وسلم عن هذا. الحديث الخامس: عَنْ أبي هُرَيرَة رضيَ الله عَنْهُ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا قَامَ إِلى الصَّلاةِ يُكَبر حِينَ يَقومُ، ثم يُكَبر حِينَ يركعُ، ثمَ يَقولُ: «سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ» حين يَرْفعُ صُلْبهُ من الركوعِ، ثُمَ يَقُولُ-وَهُوَ قائِم-: «رَبَتا وَلَكَ الحَمْدُ»، ثمّ يُكَبر حِينَ يَهْوِي، ثمَّ يُكَبر حِينَ يَرْفَعُ رأسه، ثم يُكَبر حِنَ يَسْجُدُ، ثُم يُكَبر حِينَ يَرْفَعُ رأسه، ثمَّ يَفعَل ذلِكَ في صَلاتِهِ كُلهَا حَتَى يَقضِيَهَا. ويُكَبر حِينَ يَقُومُ مِنَ الثنتَيْنِ بَعْدَ الْجُلُوس. الحديث السادس: عَنْ مُطَرّفِ بنِ عَبْدِ الله بن الشخيرِ، قال: صَلَّيْتُ أنَا وَعِمْرَانُ بن حُصِيْن خَلْفَ عَلى بنِ أبي طَالبِ رضيَ الله عَنهُ، فَكَانَ إِذَا سَجَدَ كَبَّرَ، وَإِذَا رَفَعَِ رأسه كَبَّر، وَإِذَا نَهَضَ مِنَ الركعَتَينِ كَبَّرَ، فَلَمَّا قَضَى الصلاة أخَذ بيدِي عِمْرَان بنُ حُصَيْنِ فَقَالَ: قدْ ذَكَرَنَي هذَا صَلاةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، أو قال: صَلى بِنَا صَلاةَ مُحَمًدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم. المعنى الإجمالي: في هذين الحديثين الشريفين بيان شعار الصلاة، وهو إثبات الكبرياء لله سبحانه وتعالى، والعظمة. فما جعل هذا شعارها وسمتها، إلا لأنها شرعت لتعظيم الله وتمجيده. فحين يدخل فيها، يكبر تكبيرة الإحرام، وهو واقف معتدل القامة. وبعد أن يفرغ من القراءة ويهوى للركوع، يكبر. فإذا رفع من الركوع، وقال: «سمع الله لمن حمده» واستتم قائماً، حمد الله وأثنى عليه، حيث عاد إلى أفضل الهيئات، وهي القيام. ثم يكبر في هُوِيه إلى السجود، ثم يكبر حين يرفع رأسه من السجود، ثم يفعل ذلك في صلاته كلها، حتى يفرغ منها. وإذا قام من التشهد الأول في الصلاة ذات التشهدين، كبًر في حال قيامه. اختلاف العلماء: أجمع العلماء على وجوب تكبيرة الإحرام، للنص عليها في حديث المسيء في صلاته. واختلفوا فيما عداها من التكبيرات. فذهب أكثر الفقهاء، إلى عدم وجوبها، لأن الواجب عندهم من أعمال الصلاة، ما ذكر في حديث المسيء في صلاته، وهذه التكبيرات لم تذكر فيه. قال في فتح الباري: الجمهور على ندبية ما عدا تكبيرة الإحرام. وذهب الإمام أحمد، وداود الظاهري، إلى وجوب تكبيرات الانتقال، مستدلين بإدامة النبي صلى الله عليه وسلم لها وقوله: «صلوا كما رأيتموني أصلى». ولما روى أبو داود عن على بن يحيى بن خلاد عن عمه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تتم الصلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ» فذكر الحديث، وفيه ذكر التكبيرات وهو نص فيها. وأجابوا عن حديث المسيء، بأنه أتى في طريق أبي داود، والترمذي، والنسائي، أنه قال للمسيء: «ثم يقول: الله اكبر، ثم يركع» وذكر بقية التكبيرات. واختلفوا في جمع المصلي بين التسميع وهو قول: «سمع الله لمن حمده» والتحميد وهو قول: «ربنا ولك الحمد». فذهب إلى وجوبه على كل مصل، من إمام، ومأموم، ومنفرد، طائفة من العلماء. من الصحابة أبو برزة، ومن التابعين، محمد بن سيرين، وعطاء بن أبي رباح ومن المحدثين، إسحاق، وأبو داود، ومن أئمة المذاهب، مالك، والشافعي، وداود. وحجتهم حديث الباب، وما أخرجه الدارقطني عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا بريدة، إذا رفعت رأسك من الركوع، فقل: سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا ولك الحمد».... إلخ. واحتجوا أيضاً بما نقل من الإجماع على وجوبه، على المنفرد. وألحِقَ به المأموم، لأن ما ثبت في حق مُصل، ثبت في حق مصل آخر بلا فرق. وذهب إلى عدم وجوب الجمع بين التسميع والتحميد على المأموم جماعة من الصحابة، أبو هريرة، وابن مسعود. ومن التابعين، الشعبي، ومن المحدثين سفيان والثوري. ومن أئمة المذاهب، أبو حنيفة، وصاحباه، والإمام أحمد، والأوزاعي، وهو مروى عن مالك أيضاً. واحتج هؤلاء الفقهاء، على عدم الوجوب، بحديث أبي هريرة عند الشيخين أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إنما جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤتَم بِه» وفيه وَإِذَا قالَ: «سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ» فقولُوا: «رَبنا لك الحَمدُ». وأجابوا عن أدلة أصحاب المذاهب الأول بما يأتي: أما حديث الباب، فهو في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو إمام أو منفرد، ومحل النزاع في المأموم. وأما حديث بريدة، فضعيف الإسناد، ولا يحتج به. وأما إلحاق المأموم بالإمام المنفرد، فلا قياس مع النص، والله أعلم. ما يؤخذ من الحديث: 1- مشروعية تكبيرة الإحرام، وأن تكون في حال القيام. 2- مشروعية تكبيرة الركوع، وأن يكون في حال الانتقال من القيام إلى الركوع. 3- التسميع للإمام والمنفرد، ويكون في حال الرفع من الركوع. 4- التحميد لكل من الإمام، والمأموم، والمنفرد، في حال القيام. 5- الطمأنينة بعد الرفع من الركوع. 6- التكبير في حال الهوِي من القيام إلى السجود. 7- التكبير حال الرفع من السجود إلى الجلوس بين السجدتين. 8- أن يفعل ما تقدم- عدا تكبيرة الإحرام- في جميع الركعات. 9- التكبير حيال القيام من التشهد الأول إلى القيام في الصلاة ذات التشهدين. 10- المفهوم من لفظ (حين) أن التكبير يقارن الانتقال، فلا يتقدمه، ولا يتأخر عنه، وهذا هو المشروع. قال ابن دقيق العيد: وهو الذي استمر عليه عمل الناس، وأئمة فقهاء الأمصار. 11- ذكر ناصر الدين بن المنير أن تجديد التكبير في كل ركعة وحركة بمثابة تجديد النية. فائدة: ورد في بعض روايات الحديث: «ربنا لَكَ الحمد»، وورد في البعض الآخر: «ربنا ولَكَ الحمد» بإثبات الواو، وهو أكثر الروايات، وهي أرجح وأوْلَى لأن الواو تأتي بمعنى زائد مقصود. الحديث السابع: عَنْ البَرَاء بن عَازِبٍ رضيَ الله عَنْهُمُا قال: رَمَقْتُ الصَّلاةَ مَعَ مُحَمدٍ صلى الله عليه وسلم، فَوَجَدتُ قِيَامَهُ فَرَكعَتَهُ، فَاعتدَالَهُ بَعدَ رُكوعِهِ، فَسَجْدَتَهُ فَجَلْسَتهُ بين السجدَتَيْن، فَسَجْدَتَهُ، فَجَلْسَتهُ مَا بيِن التسْلِيمِ وَالانصِرَافِ قريباً مِنَ السّوَاءِ. وفي رواية البخاري. مَاخَلا القِيَامَ وَالقُعُودَ. قَرِيباً مِنَ السّوَاءِ. المعنى الإجمالي: يصف البراء بن عازب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فيذكر أنها متقاربة متناسبة. فإن قيامه للقراءة، وجلوسه للتشهد، يكونان مناسبين للركوع، والاعتدال والسجود فلا يطول القيام مثلا، ويخفف الركوع، أو يطيل السجود، ثم يخفف القيام، أو الجلوس بل كل ركن يجعله مناسبا للركن الآخر. وليس معناه: أن القيام والجلوس للتشهد، بقدر الركوع والسجود. وإنما معناه أنه لا يخفف واحداً ويثقل الآخر. وإلا فَمِنَ المعَلوم أن القيام والجلوس، أطول من غيرهما، كما يدل عليه زيادة البخاري في الحديث. ما يؤخذ من الحديث: 1- الأفضل أن يكون الركوع والاعتدال منه، والسجود والاعتدال منه، متساوية المقادير، فلا يطيل المصلى بعضها على بعض. 2- أن يكون القيام للقراءة والجلوس للتشهد الأخير، أطول من غيرهما. 3- أن تكون الصلاة في جملتها متناسبة، فيكون طول القراءة مناسباً مثلا، للركوع والسجود. 4- ثبوت الطمأنينة في الاعتدال من الركوع والسجود، خلافاً للمتلاعبين في صلاتهم ممن لا يقيمون أصلابهم في هذين الركنين. 5- زعم بعضهم أن الرفع من الركوع ركن صغير، لأنه لم يسن فيه تكرير التسبيحات كالركوع والسجود، ولكن هذا قياس فاسد، لأنه قياس في مقابلة النص فإن الذكر المشروع في الاعتدال من الركوع أطول من الذكر المشروع في الركوع، وقد أخرج ذلك مسلم في حديث ثلاثة من الصحابة. فائدة: لكون المعهود من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم هو تطويل قيام القراءة وقعود التشهد على غيرهما من أفعال الصلاة، فقد اختلف شراح الحديث في معنى هذه (المناسبة) بين أفعال صلاته عليه الصلاة والسلام، بما فيها القيام. فالنووي جعلها صفة عارضة وليست دائمة. وابن دقيق العيد قال: يقتضي هذا تخفيف ما العادة فيه التطويل، أو تطويل ما العادة فيه التخفيف. وهداني الله تعالى إلى المعنى المذكور في المعنى الإجمالي من أنه إذا طولَ القراءة طول كلها من الأركان، فيكون قريبا من السواء تطويلا وتخفيفا. ومثل القراءة القعود للتشهد. ثم بعد كتابته، وجدته رَأى ابن القيم في كتاب الصلاة وتهذيب السنن وهذا هو الحق، إن شاء الله تعالى. الحديث الثامن: عَنْ ثَابِتٍ البناني، عَنْ أنَس بن مَالِك رضيَ الله عَنْهُ قال: إني لا آلو أنْ أصَليَ بكم كَمَا كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلي بِنَا. قال ثابت: فَكَانَ أنَس يَصنعُ شَيْئاً لا أرَاكُم تصْنَعُونَهُ. كَانَ إِذَا رَفَعَ رأسه مِنَ الرُكُوعِ، انتصَبَ قَائِماً، حَتى يَقُولَ الْقَائلُ: قدْ نَسيَ، وَإِذَا رَفَعَ رأسه مِنَ السجدَةِ مَكَثَ حَتَّى يَقُولَ القَائِلُ: قَدْ نَسىَ. المعنى الإجمالي: يقول أنس رضي الله عنه، إني سأجتهد فلا اقَصر أن أصلي بكم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بنا، لتقتدوا به، فتصلوا مثله. قال الراوي ثابت البناني: فكان أنس يصنع شيئا من تمام الصلاة وحسنها، لا أراكم تصنعون مثله. كان يطيل القيَام بعد الركوع، والجلوس بعد السجود. فكان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائما حتى يقول القائل-من طول قيامه- قد نَسيَ أنه في القيام الذي بين الركوع والسجود. وإذا رفع رأسه من السجدة مكث حتى يقول القائل-من طول جلوسه-: قد نسى. ما يؤخذ من الحديث: فيه دليل على مشروعية تطويل القيام بعد الركوع، وتطويل الجلوس بعد السجود، وأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم. الحديث التاسع: عَنْ أنَس بن مَالِك رضيَ الله عَنْهُ قَالَ: مَا صَليتُ وَرَاءَ إِمَام قَطّ أخَف صَلاة وَلا أتَمَّ صَلاة مِنَ النبي صَلًى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ. المعنى الإجمالي: ينفي أنس بن مالك أن يكون صلى خلف أي إمام من الأئمة إلا وكانت صلاته خلف الإمام الأعظم صلى الله عليه وسلم أخف، بحيث لا يشق على المأمومين، فيخرجون منها وهم فيها راغبون. ولا أتَمَّ من صلاته، فقد كان يأتي بها صلى الله عليه وسلم كاملة، فلا يخل بها، بل يكملها بالمحافظة على واجباتها ومستحباتها، وهذا من آثار بركته صلى الله عليه وسلم. ما يؤخذ من الحديث: 1- أن يأتي الإمام بالصلاة خفيفة، حتى لا يشق على المصلين، وتامة حتى لا ينقص من ثوابها شيء. فإتمامها يكون بالإتيان بواجباتها ومستحباتها من غير تطويل. وتخفيفها يكون بالاقتصار على واجباتها وبعض مستحباتها. 2- أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم أكمل صلاة، فليحرص المصلى على أن يجعل صلاته مثل صلاته عليه الصلاة والسلام، ليحظى بالاقتداء، ويفوز بعظيم الأجر. 3- فيه جواز إمامة المفضول للفاضل، على تقدير أن أنسا رضي الله عنه أفضل ممن يصلى به غير رسول الله صلى الله عليه وسلم فإمام المسجد مقدم على غيره وإن كان وراءه أفضل منه لأنه هو الإمام الراتب، وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن ذا السلطان كالإمام الراتب. الحديث العاشر: عَنْ أبي قِلابَةَ عَبْدِ الله بنِ زَيد الجَرْمِي البَصْري قالَ: جَاءنَا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ في مَسْجدِنَا هذَا فَقَال: إني لأصَلى بِكُم وَمَا أريد الصَّلاةَ، أصلى كَيْفَْ رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلي. فقلت لأبي قلابَةَ: كَيْفَ كَانَ يُصَلِّي؟ قال: مِثْلَ صَلاةِ شَيْخِنَا هذَا، وَكَانَ يَجْلِسُ إِذَا رَفَعَ رأسه مِنَ السُّجُودِ قَبْل أنْ يَنْهَضَ. أرَادَ بشيخهم، أبا يَزِيدَ، عمرو بن سلمة الجَرمي. المعنى الإجمالي: يقول أبو قلابة: جاءنا مالك بن الحويرث أحد الصحابة في مسجدنا، فقال: إني جئت إليكم لأصلى بكم صلاةً لم أقصد التعبُّد بها، وإنما قصدت تعليمكم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بطريق عملية، ليكون التعليم بصورة الفعل أقرب وأبقى في أذهانكم. فقال الراوي عن أبي قلابة: كيف كان مالك بن الحويرث الذي علمكم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم يصلى؟ فقال: مثل صلاة شيخنا أبي يزيد عمرو بن سلمة الجرمي، وكان يجلس جلسة خفيفة إذا رفع رأسه من السجود للقيام، قبل أن ينهض قائماً. اختلاف العلماء: الجلسة المشار إليها في هذا الحديث هي ما تسمى عند العلماء بـ جلسة الاستراحة. ولا خلاف عندهم في إباحتها، وإنما الخلاف في استحبابها. فذهب إلى استحبابها، الشافعي في المشهور من مذهبه، وأحمد في إحدى الروايات عنه، واختارها من أصحابه الخلال، لهذا الحديث الصحيح. وذهب إلى عدم استحبابها من الصحابة، عمر، وعلى، وابن مسعود، وابن عمر، وابن العباس. ومن المحدثين، الثوري، وإسحاق. ومن الأئمة، أبو حنيفة، ومالك، وهو المشهور من مذهب أحمد وقال أكثر الأحاديث على هذا يعنى تركها. قال الترمذي: وعليه العمل عند أهل العلم، وقال أبو الزناد: تلك السنة. ومال بعض العلماء إلى فعلها عند الحاجة إليها، من كِبَر أو ضعف، جمعاً بين الأدلة. قال ابن قدامة في المغنى وهذا فيه جمع بين الأخبار، وتوسُّطٌ ببن القولين. ما يؤخذ من الحديث: 1- استحباب جلسة الاستراحة، وتقدم أن الصحيح استحبابها للحاجة. 2- أن موضعها عند النهوض من السجود إلى القيام. 3- أن القصد منها الاستراحة لبعد السجود من القيام، لذا لم يشرع لها تكبير ولا ذكر. 4- جواز التعليم بالفعل، ليكون أبقى في ذهن المتعلم. 5- جواز فعل العبادة لأجل التعليم، وأنه ليس من التشريك في العمل فإن الأصل الباعث على هذه الصلاة هو إرادة التعليم، وهو قربة كما أن الصلاة قربة. الحديث الحادي عشر: عَنْ عَبْدِ الله بنِ مَالِكٍ ابن بُحَينةَ رضيَ الله عَنْة أنَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ إِذَا صَلى فرج بَيْنَ يَدَيهِ حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إبْطَيْهِ. المعنى الإجمالي: كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، صلاة رغبة ونشاط، وكان يعطى كل عضو حقه- من العبادة. ولهذا كان إذا سجد فرج بين يديه، ومن شدة التفريج بينهما، يظهر بياض إبطيه. كل ذلك عنوان النشاط في الصلاة، والرغبة في العبادة، وتباعداً عن هيئة الكسلان، الذي يضم بعض أعضائه إلى بعض، فيزيل عن بعضها عناء العبادة. ما يؤخذ من الحديث: 1- فيه دليل على استحباب هذه الهيئة في السجود، وهى مباعدة عضديه عن جنبيه، وقد تخصص ذلك في السجود بما أخرجه مسلم في حديث البراء يرفعه وهو إذا سجدت فضع كفيك، وارفع مرفقيك وهو في حديث الباب مطلق، ولكنه في هذا الحديث مقيد، فيحمل المطلق على المقيد، ويختص التفريج بحال السجود. 2- في ذلك حِكَم كثيرة، وفوائد جسيمة. منها:- إظهار النشاط والرغبة في الصلاة. ومنها:- أنه إذا اعتمد على كل أعضاء السجود، أخذ كل عضو حقه من العبادة. فائدة: خص بعض الفقهاء، ومنهم الحنابلة، هذا الحكم بالرجل دون المرأة، لأنه يطلب منها التجمع، والتصون، ولما روى أبو داود في مراسيله عن يزيد ابن حبيب أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على امرأتين تصليان، فقال: «إذا سجدتما، فَضُما بعض اللحم إلى بعض، فإن المرأة ليست في ذلك كالرجل». الحديث الثاني عشر: عَنْ أبي مَسْلَمَةَ- سَعِيدِ بْن يَزِيدَ- قال: سألتُ أنَسَ بنَ مَالِكٍ رضيَ الله عَنْهُ: أكَانَ النَّبي صلى الله عليه وسلم يُصَلِّى في نَعْلَيْهِ؟ قَال: نَعَمْ. المعنى الإجمالي: سأل سعيد بن يزيد أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أكان يصلى في نعليه ليكون له قدوة فيه؟ فأجابه أنس: نعم، كان يصلى في نعليه، وأن ذلك من سنته المطهرة. ما يؤخذ من الحديث: 1- استحباب الصلاة في النعلين، حيث كان من فعل النبي صلى الله عليه وسلم. 2- جواز دخول المسجد بهما، بعد تنظيفهما من الأقذار والأنجاس. 3- أن غلبة الظن في نجاستهما لا تخرجهما عن أصل الطهارة فيهما. فائدة: الصلاة في النعال ودخول المسجد فيهما، أصبحت مسألة مشكلة. فسنة النبي صلى الله عليه وسلم صريحة بجواز ذلك بل باستحبابه، وأنه من السنة التي ينبغي المحافظة عليها. فقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود عن شداد بن أوس: «خَالِفُوا اليَهُودَ، فَإنَهُم لا يُصَلونَ في نِعَالِهِمْ وَلا خِفَافِهِمْ». وقال صلى الله عليه وسلم، فيما أخرجه أبو داود أيضاً، عن أبي سعيد الخدري: «إِذَا جَاءَ أحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَنْظُر، فَإن رَأى في نَعْله قَذَراً أوْ أذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَليُصَل فِيهِمَا» إلى غير ذلك من النصوص الصحيحة الصريحة، في مشروعية الصلاة فيهما بعد تنظيفهما من الأنجاس والأقذار. أما العامة وبعض المتعصبين من طلبة العلم، فيجادلونك في ذلك، ويرون أن إحياء هذه السنة من الكبائر، التي لا يسكت عليها. وإذا أوردت عليهم هذه النصوص قالوا: هذا في وقت دون وقت، وزمن دون زمن. كأن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم أتى بعدها من نسخها وبدلها. وما دَرَوْا أنها شريعة الله إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. والمناسب: أن من أراد اتباع السنة في ذلك وفي غيره، مما تركه أو فعله، لا يمس جوهر الإسلام أن ينظر، فإن كان فعله أو تركه يسبب فتنة وشرا اكبر من مصلحته فَلْيرَاع المصالح، فإن الشرع يكون حيث توجد المصلحة الخالصة، أو الراجحة على المفسدة. الحديث الثالث عشر: عَنْ أبي قَتَادَةَ الأنصاري رضيَ الله عَنْهُ: أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ يُصَلي وَهُوَ حَامِل أمَامَةَ بِنْتَ زَينبَ بِنْتِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لأبي الْعَاص ابْن الربيع بن عَبْدِ شَمس، فَإذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَإذَا قَامَ حَمَلَهَا. المعنى الإجمالي: كان النبي صلى الله عليه وسلم على جانب كبير من العطف واللطف والرحمة والرأفة فكان يتودد إلى الصغار والكبار، والأغنياء والفقراء. ولا أدل على أخلاقه الكريمة، من حمله إحدى حفيداته وهو في الصلاة، حيث يجعلها على عاتقه إذا قام، فإذا ركع أو سجد وضعها في الأرض، ففي هذا السماح الكريم، تشريع وتسهيل للأمة المحمدية. اختلاف العلماء: أورد ابن دقيق العيد تأويلات كثيرة بعيدة لهذا الحديث،. في شرح هذا الكتاب. منها دعوى النسخ، ودعوى الخصوصية، ودعوى الضرورة، وغير ذلك مما هو أسقط تأويلا وأضعف قيلاً. وقال القرطبي: وقد اختلف العلماء في تأويل هذا الحديث، والذي أحوجهم إلى ذلك أنه عمل كثير. وقال النووي-بعد أن ساق هذه التأويلات-: فكل ذلك دعاوى باطلة مردودة، لا دليل عليها. تبين لنا حينئذ أن الصحيح الذي عليه المحققون أن مثل هذه الحركة جائزة في كل صلاة، من الإمام، والمأموم، والمنفرد وأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لبيان الجواز. كما كان يصعد وينزل على درج المنبر، ليريهم صلاته. وكما كان يفتح الباب لعائشة وهو في الصلاة، إلى غير ذلك من الأعمال التي لا تخل في الصلاة. ويستفاد منها جواز هذه الحركة اليسيرة للحاجة. ما يؤخذ من الحديث: 1- جواز مثل هذه الحركة في صلاة الفريضة والنافلة، من الإمام والمأموم والمنفرد ولو بلا ضرورة إليها. وهذا قول محققي العلماء. 2- جواز ملامسة وحمل من تظن نجاسته، تغليباً للأصل- وهو الطهارة- على غلبة الظن. وهو- هنا- نجاسة ثياب الأطفال وأبدانهم. 3- تواضع النبي صلى الله عليه وسلم، ولطف خلقه ورحمته. فائدة: قسم بعض العلماء الحركة في الصلاة إلى أربعة أقسام حسب الاستقراء والتتبع من نصوص الشارع. القسم الأول: يحرم ويبطل الصلاة وهو الكثير المتوالي لغير ضرورة ولغير مصلحة الصلاة. القسم الثاني: يكره في ولا يبطلها: وهو اليسير لغير حاجة، مما ليس لمصلحة الصلاة كالعبث اليسير بالثياب أو البدن، ونحو ذلك، لأنه مناف للخشوع المطلوب، ولا حاجة تدعو إليه. القسم الثالث: الحركة المباحة وهي اليسيرة للحاجة: ولعل هذا القسم، هو ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله من حمل هذه الطفلة، وطلوعه على المنبر، ونزوله منه حال الصلاة، وفتحه الباب لعائشة، ونحو ذلك مما يفعله للحاجة ولبيان الجواز. القسم الرابع: الحركة المشروعة وهي التي يتعلق بها مصلحة الصلاة، كالتقدم للمكان الفاضل، والدنو لسد خلل الصفوف. أو تكون الحركة لفعل محمود مأمور به، كتقدم المصلين وتأخرهم، في صلاة الخوف أو الضرورة كإنقاذ من هلكة. الحديث الرابع عشر: عَنْ أنَس بنِ مَالِكٍ رضيَ الله عَنْهُ عَن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اعْتَدِلُوا في السُجُودِ، وَلا يَبسُطْ أحَدُكُم ذِرَاعَيْهِ انْبساطَ الْكَلْبِ». المعنى الإجمالي: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاعتدال في السجود، وذلك بأن يكون المصلى على هيئة حسنة في السجود، حيث يجعل كفيه على الأرض، ويرفع ذراعيه ويجافيهما عن جنبيه، لأن هذه الحال، عنوان النشاط، والرغبة المطلوبين في الصلاة، ولأن هذه الهيئة الحسنة تمكن أعضاء السجود كلها من الأخذ بحظها من العبادة. ونهي عن بسط الذراعين في السجود، لأنه دليل الكسل والملل، وفيه تشبيه أفضل حالات العبادة بحال أخس الحيوانات، وأقذرها، وهو تشبيه بما لا يليق. ما يؤخذ من الحديث: 1- مشروعية الاعتدال في السجود، على الهيئة المشروعة. 2- النهيُ عن بسط الذراعين في السجود، لأنه دليل الكسل، وفيه تشبيه بجلوس الكلب. فإن التشبيه بالأشياء الخسيسة يدعو إلى تركه في الصلاة. 3- يؤخذ منه أيضا، كراهة مشابهة الحيوانات، خصوصاً في حال أداء العبادة. فائدة جليلة: ورد الأمر من الشارع بمخالفة الحيوانات الخسيسة والشريفة في هيئات الصلاة. فنهي عن التفاتٍ كالتفات الثعلب، وافتراش كافتراش السبع، وإقعاء كإقعاء الكلب، ونقر كنقر الغراب وإشارة بالأيدي كأذناب الخيل الشمس وبروك كبروك الجمل. وغير ذلك مما نهى عنه الشارع من مشابهة الحيوانات، لأن الصلاة مناجاة لله، فينبغي أن تكون على أحسن هيئة وأفضل صفة. |